هجرة غير شرعية وسط الأزمة السورية

في ضوء الأزمات وويلات الحرب والاضطرابات الأمنية وتردي الأوضاع الاقتصادية، فإن النسبة الأكبر من الشباب يقع في دائرة المحظور، فها هي ذي الحدود السورية باتت منطقة جذب، ونمت لديها حركة الاتجار بالشباب وازدادت نجوم السوق السوداء من خلال سماسرة، مكاتب سفريات، وأيضاً وسطاء الهجرة، وللأسف ومع كامل العلم أن رحلة الموت غير قانونية وقد تفضي إلى سجن أو ترحيل أو عملية نصب كبيرة فإن روادها من الشباب مازال في تصاعد يومياً.

فانهيار البلاد اقتصادياً، والهروب من الفقر والبطالة، وتلاشي الأمل في الحصول على فرصة عمل، والفساد السياسي، والقهر المستشري، وغيره الكثير من الأسباب المحيطة بسورية كانت دافعاً قوياً للشباب إلى الهجرة، بالرغم من مخاطرها وانتهاكاتها الجسيمة بحقهم.

والهجرة بمعناها المتداول اليوم هي الانتقال من دولة ذات إمكانات وقدرات ضعيفة إلى أخرى تتوافر فيها إمكانيات اقتصادية عالية ومستوى معيشي مرتفع يفتقدها الشباب المهاجر في بلده.

ولابد من الإشارة إلى أن مصطلح الهجرة غير الشرعية برز في العقود الأخيرة، وأخذ وضعاً مميزاً لدى وسائل الإعلام العربية والعالمية، وأصبحت قضية الهجرة غير الشرعية من العناوين الرئيسية عالمياً بالأخص في ظل تنامي النزاع السوري، فالمواطن السوري أصبح صيداً ثميناً لعصابات التزوير بعد أن يعطى جواز سفر وهمياً وتسهيلات عبور، وذلك كله أيضاً ضمن تكلفة مالية تتراوح ما بين 10 آلاف و30 ألف دولار، ونتيجة لعدم وعي الشباب بالمخاطر المحدقة قد يكتشف السوري نفسه فجأة ضمن عقوبات قانونية في معتقل ما، أو قد يتم ترحيله إلى بلاده، ولربما يكون هذا المواطن مغامراً محظوظاً ويطرق أبواب أوربا. وما يرثى له حالياً المشهد البائس للمهاجرين غير الشرعيين، كيف لا؟ وهم بشر رمت بهم الظروف القاسية إلى الترحال؟!

وحين العودة إلى القانون السوري نجد أن سورية قد انضمت إلى بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين التابع لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية لسنة2000 الذي نص في الفقرة الأولى من مادته السادسة على ما يلي: (تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم الأفعال التالية في حال ارتكابها عمداً، ومن أجل الحصول، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى:

(أ) تهريب المهاجرين؛

(ب) القيام، بغرض تسهيل تهريب المهاجرين، بما يلي:

1- إعداد وثيقة سفر أو هوية مزورة.

2- تدبير الحصول على وثيقة من هذا القبيل أو توفيرها أو حيازتها.

(ج) تمكين شخص، ليس مواطناً أو مقيماً دائماً في الدولة المعنية، من البقاء فيها دون تقيّد بالشروط اللازمة للبقاء المشروع في تلك الدولة، وذلك باستخدام الوسائل المذكورة في الفقرة الفرعية (ب) من هذه الفقرة أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة).

فجريمة تهريب الأشخاص هي الأفعال التي يرتكبها شخص أو مجموعة من الأشخاص من أجل الحصول على منفعة مالية أو مادية، والتي تنطوي على نقل المهاجرين عبر الحدود الوطنية إلى دولة أخرى بشكل غير شرعي، أو تأمين بقاء هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين في تلك الدول باستخدام الوسائط المذكورة أنفاً، ولكن إذا بحثنا في عمق التشريع السوري، وتحديداً في قانون العقوبات المختص بهذا النوع من الجرائم، فإننا لا نجد نصاً يجرّم هذه الجريمة بشكل محدد. إلا أن هذا القانون يجرم بعض الأفعال الداخلة في تكوين هذه الجريمة، كفعل إعداد وثيقة سفر أو هوية مزورة أو حيازة الوثيقة المزورة، ولابد من القول بأنه لا يوجد نص في قانون العقوبات السوري يجرِّم جرم تهريب الأشخاص الذي ينفذ دون استخدام أساليب التزوير، والذي يجري عبر المداخل غير الشرعية للدول،وهنا لابد من استدراك هذا النقص في قانون العقوبات لسد هذه الثغرة في قانون العقوبات الحالي.

ما أود قوله بالتأكيد، تعتبر الهجرة غير الشرعية وصمة عار، ويجب أن نرفع الصوت في أوجه المستغلين، وأصحاب المطامع، وتداعيات الحرب الجارية في المنطقة دفعت هذه القضية إلى السطح بشكل لافت، فالفاتورة التي دفعها ولا يزال يدفعها السوريون باتت جسيمة وباهظة الثمن، فقد فاقت آثارها كل التوقعات، فالهجرة التقليدية لم تعد قائمة بصورتها العادية، إنما تحولت إلى هجرة غير شرعية، الأمر الذي يشكل خرقاً لنظام الهجرة والأمن المعتمد وخاصة في البلدان الأوربية، وتفشي ظاهرة الهجرة غير الشرعية لقاء أمل ضئيل بحياة أفضل، ليست إلا مدلولاً حاداً على شيوع اليأس لدى الشباب وعمق الأزمة والضغوط الخاصة، وتراجع حسّ الانتماء إلى الوطن أو ضعف الثقة به.

العدد 1105 - 01/5/2024