بين القانون والواقع… طموحات وآمال

أصدر رئيس الجمهورية بتاريخ 23 آذار 2015 القانون رقم 3 لعام 2015 والخاص بتنظيم دور الحضانة والذي تنص المادة 2 منه على ما يلي:

«تهدف دور الحضانة إلى…

1. رعاية الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ثلاث سنوات وتهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم بما يكفل نموهم نمواً طبيعياً وسليماً من جميع النواحي الاجتماعية والأخلاقية والتربوية والنفسية والجسدية واللغوية والصحية.

2. العمل على تنمية مواهبهم وقدراتهم بما يتوافق مع أهداف التربية العامة.

3. العمل على نشر ثقافة الطفولة بين أسر الأطفال لهذه المرحلة ومتطلباتها واحتياجاتها.

4. تهيئة المناخ الملائم ليتعرف الطفل على ذاته ويلبي حاجاته المختلفة وفق خصائصه النفسية والنمائية والعقلية والاجتماعية.

5. تهيئة قدرات الطفل وملكاته من خلال منحه الكثير من الحب والتشجيع والطمأنينة.

6. تربية الطفل تربية اجتماعية تعتمد أساليب التربية الحديثة وتنمية حواسه ومداركه مع أقرانه«.

إذا طُبقت هذه المادة بشكل حقيقي في دور الحضانة، سواء التابعة منها للقطاع العام أو للقطاع الخاص، فسيكون وضع الطفل على كافة الصعد رائعاً بل مثالياً.

ففي رياض الأطفال التابعة لوزارة التربية، والتي تُعنى بأطفال المعلمين والمعلمات، حتى سن الثالثة فقط، ومن خلال التجربة، نجد الاهتمام الذي تنشده الأم من حيث النظافة والإطعام والنوم، كما يوجد تواصل دائم مع الأهل لإحاطتهم بوضع أطفالهم وبشكل يومي، وهذا أمر جدُّ مهم وضروري، إضافة إلى ناحية في غاية الأهمية ألا وهي الفرز بين الأطفال، الذي يعتمد على السن، فنجد غرفاً للأطفال الذين بلغو سنة واحدة من العمر، وأخرى لأبناء السنتين وهكذا.. وهذا مفيد للأطفال، فالمقدرات والحاجات تختلف باختلاف العمر. أضف إلى ذلك، الاهتمام بالناحية الصحية، خصوصاً في السنوات الأخيرة، ونظراً لانتشار العديد من الأمراض المعدية، نجد أن كوادر الصحة المدرسية تقوم بزيارات دورية لمتابعة الوضع الصحي العام للأطفال في الحضانة، والتواصل من خلال الإدارة مع الأهل إن تمّ الكشف عن أيّة حالة تحتاج معالجة أو عناية.

 هذا جزء من إيجابيات هذه الحضانات التي تُعاني نقصاً في عدة نواحٍ، منها الاهتمام بتطوير مواهب الطفل وقدراته، من خلال الألعاب مثلاً، أو التواصل اللغوي معه، خصوصاً ونحن أمام جيل متفتح الذهن منذ سني الطفولة الأولى، وهذا النقص حسب رأيي ناتج عن ضعف إمكانات الكوادر العاملة في هذا المجال، ذلك بأن نسبة لا بأس فيها من هذه الكوادر غير مؤهلة علمياً وأكاديمياً، إضافة إلى النقص العددي، فالمشرفة الواحدة تكون مسؤولة عن ثلاثة إلى أربعة أطفال إن لم يكن أكثر، وهذا العدد لا يسمح لها بتخصيص الوقت اللازم لكل طفل على حدة. هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى، والتي لم يأتِ القانون على ذكرها، فهي معاناة الأهل في البحث عن مكان يتركون أبناءهم فيه بعد سن الثالثة من العمر، ذلك أن الوزارة لم تقم بإنشاء رياض أطفال للأعمار المتقدمة ما قبل المدرسة، أي بين سن الرابعة والسادسة، وهذا مطلب مهم وملح، نظراً لانخفاض التكاليف المادية مقارنة بدور الحضانة التابعة للقطاع الخاص، والتي ترهق الأهل مادياً بشكل كبير، فالفارق كبير بين أن تكون التكلفة رمزية وبشكل نصف سنوي كما هو الحال في رياض وزارة التربية، وبين المبالغ الهائلة المطلوبة شهرياً في الرياض الخاصة، لذا باعتقادي فإن وجود رياض أطفال لأعمار ما قبل المدرسة أمر ضروري وملح.

ورغم ذلك، يضطر بعض الأهل للجوء إلى رياض القطاع الخاص، فقط من أجل أن يكتسب أبناؤهم معارف ومهارات غير موجودة في الحضانات الحكومية، كاللغة الأجنبية على سبيل المثال لا الحصر، أي من أجل الاستفادة من خاصيّة هذا العمر التي تتسم بالقدرة الفائقة على اكتساب أمور ربما لا يمكنه اكتسابها من البيت.

هذا لا يعني أن الحضانات الخاصة تمتلك من الإيجابيات ما يفوق الحكومية، بل الأرجح هو العكس، والتجربة خير دليل، إنما هدفنا من المقارنة الوصول إلى دور حضانة متكاملة من جميع النواحي النفسية والجسدية والاجتماعية، مؤهلة بكوادر أكاديمية متخصصة، وبأسعار تتناسب مع الرواتب ومع الوضع المعاشي العام.

وبالعودة إلى نص المادة الثانية من القانون، ذُكرت كلمتا الطمأنينة والحب…

الطمأنينة….الحب…. هذا جزء أساسي مما يحتاجه الطفل في هذه الظروف التي تمر بها البلاد، ذلك أنه ينتقل وبلمح البصر من حالة الهدوء والسكينة واللعب، وربما النوم الهانئ، إلى حالة من الرعب والخوف الناجمين عن أصوات القذائف والرصاص، وإلى حالة من التساؤل الذي يعبر عنه بعينيه وكأنه يقول: ما هذا؟ ما الذي يحصل؟ في هذه اللحظات يكون الطفل بحاجة ماسة للحب والشعور بالأمان والطمأنينة، فلمسة من المشرفة، أو نظرة مفعمة بالحب والحنان كفيلة بأن تخفف من حدة الهلع والقلق والتساؤل عند هؤلاء الصغار، الذين يعيشون عالماً لا يمتلك أدنى مقومات الطفولة… وهو ما يتطلب وجود مرشدين نفسيين واجتماعيين في دور الحضانة، فالطفل ابن السنوات الأولى من عمره لا يستطيع التعبير بالكلام، وإن استطاع فهو غير قادر على توضيح مشاعره واستفساراته، وبلورتها بشكل صحيح، ولهذا، ربما تُصاب المشرفة بحالة من الضياع، بين محاولة فهم ما يريد أن يوصله الطفل لها، وبين الوضع العام الذي يحتاج منها تصرفاً سريعاً وحكيماً بلحظة واحدة، ليأتي دور المرشد النفسي والاجتماعي، مما يجعل الطفل يتقبل الوضع بشكل آخر يحمل بين طياته بعضاً من الأمان، بأن هناك أحداً ما بجانبه على الرغم من غياب أمه، التي هي مصدر الأمان والحب والطمأنينة الوحيد له في هذا العالم.

وهناك جانب آخر على قدر كبير من الأهمية، ألا وهو عقد اجتماعات دورية للأهل مع الكادر المشرف، أي مجالس أولياء الأمور، ففي ذلك تعزيز للتواصل بين الأهل والطفل والمشرفين، الذين من خلال خبراتهم العملية، ومعارفهم العلمية يتمكنون من رؤية أمور لا يستطيع الأهل الكشف عنها، وبذلك يتم نشر ثقافة الطفولة بين الأهل كما أرادها القانون المذكور، مما يساعدهم على إيصال ما يريدون للمشرفين عن خصائص أبنائهم والصعوبات التي يعانونها معهم، والتوصل إلى طريقة أفضل في التعامل مع الأطفال.

إن الطفل هو عماد المستقبل، وهو أمل الغد، فما نزرعه اليوم سنحصده مستقبلاً، ثماراً منتجة، علينا أن نزرع بذورها في تربةٍ صالحة، وأن نُهيئ لها كل الظروف المناسبة لضمان إنتاجها.

 من هنا فإن الطفل لم يعد مسؤولية الأهل وحدهم، بل مسؤولية المجتمع كافة، إن أردنا لغدنا أن يكون أفضل من واقعنا الراهن، على الجميع محاولة الاستثمار في الطفولة المبكّرة.

العدد 1107 - 22/5/2024