وامعتصماه.. زنوبيا تستصرخ!

تدمر الحاضرة السورية العظيمة، تدمر طريق الحرير والتوابل بمداخلها ومخارجها وشاخصاتها المتعددة، تدمر بقلعتها الكبيرة، بمربعاتها وأوابدها التاريخية، بمسرحها وأعمدتها، بشارعها الطويل ومعابدها الجميلة (بل – نبل – عشتار – بعلشمين) تدمر بمدافنها الأثرية ذات الطوابق المتعددة، ببساتين نخيلها ومجاري مياهها، بنبعها الشهير أفقا، بملكتها العظيمة زنوبيا ملكة الملوك وقاهرة الروم، تدمر الأعجوبة باللغة الآرامية، تدمر التي سكنها بنو يمين من القبائل الآرامية (بالميرا اليونانية) هيديريانية بولص الرومانية، مدينة القوافل والجهاز الإداري المتكامل مالية وقضاء وشرطة وجيشً وغيرها، تدمر المدينة الحرة، تدمر أذينة ووهب اللاة، تدمر سورية الطبيعية التي امتدت إمبراطوريتها إلى آسيا الصغرى وبلاد الأناضول ومصر وشبه الجزيرة العربية، تدمر بكل مافيها من أوابد وتاريخ وحضارة وقادة وملوك وعلى رأسهم زنوبيا تصرخ: وااامعتصماه! لقد استباحوني، استباحني قوم لا أدري من أين أتوا بجلابيبهم السود وسواطيرهم الحادة وعقولهم المسطحة وقلوبهم المليئة بالحقد الأسود على الحضارة والتاريخ، يقودهم أعلام في الاقتصاد والفن والتكنولوجيا والإعلام وعلماء النفس، مخلوقات لابشرية أتوني من مجاهل الكون وكهوف التاريخ المظلمة من عند هولاكو وجانكيس خان وبطرس القارئ وبينوشيت وسوهارتو، من مشرق الأرض ومغربها، قوم يُؤمرون قادتهم أتوا من معامل المؤسسات الإيديولوجية الصهيوأمريكية والأوربية فينفذون، أتوني محملين بكل حقد العثمانية البغيضة، التي يريد مؤسسها الجديد أن يكون سلطاناً على حضارات طريق التوابل من بصرى إلى تدمر إلى حرّان إلى البتراء إلى هيرابولس إلى الحيرة والرقة، إلى يمحاض إلى كل سورية، ليقتلعوا أعمدتي الطويلة ويهدموا قوس النصر الذي صنعه التدمريون أبنائي أبناء زنوبيا أبناء سورية، ليدمروا قلعتي التاريخية ومعابدي ويسرقوا كنوزي الأثرية ولوحاتي التدمرية، ليهدموا مسرحي الشهير، ليسلبوني شرفي الذي حصلت عليه من خلال مقاومتي ومقاتلتي لكل الأعداء الذين حاولوا أن يسطوا عليّ عبر التاريخ. من أرسل هؤلاء الظلاميين الذين هدموا حواضر العراق من الحضر إلى نمرود إلى الموصل؟ من أرسلهم ليدمروا تاريخنا وحضارتنا وثقافتنا وذاكرتنا الجمعية؟

نعم صنعهم وأرسلهم من لا تاريخ لهم ولاحضارة إلا تاريخ البداوة المتخلفة، صنعهم وأرسلهم إلينا ورثة رعاة البقر ممن استباحوا ترابنا ونساءنا قروناً متعددة بالاسم نفسه والهدف ذاته، صنعهم وأرسلهم إلينا ذوو الياقات الأنيقة أدعياء الحضارة وحقوق الإنسان. انظروا إلى كل هؤلاء كيف يتفرجون فرحين مسرورين على تدمير وسلب كل مايثير شهيتهم للسرقة، وإيداع تاريخنا في متاحفهم.

زنوبيا ابنة أذينة تستصرخ: وامعتصماه! وكلنا نحن السوريون نستصرخ معها كل الضمائر وأحرار العالم وشرفاءه حتى أورليان إمبراطور الروم الذي قاد زنوبيا أسيرة إلى روما يستصرخ أبناء جنسه: أنقذوا تدمر الحاضرة السورية العظيمة، سلطان باشا الأطرش وإبراهيم هنانو وصالح العلي ومحمد الأشمر وفارس الخوري يناشدون، أنقذوا تدمر من بين أنياب الوحوش البشرية الذين أتوا من كل مزابل الدنيا وعهر السياسة.

الدفاع عن تدمر هو حق لها على السوريين وواجب أولاً وأخيراً، فهل من يستجيب لصراخ زنوبيا؟

العدد 1105 - 01/5/2024