رفع أسعار الأدوية.. مبررات غير منطقية

 إن السياسة الاقتصادية المتبعة هي عكس الرشاد الاقتصادي، إذ ينبغي أن تكون وظيفتها إلى جانب توفير العمالة الكاملة لجميع القادرين على العمل وتحقيق التوازن بين الصادرات والواردات، هي لجم الأسعار والحفاظ على مستوى أسعار شبه ثابت، لكنها تصب الزيت على النار فتزيدها اشتعالاً وتؤجج ارتفاع الأسعار، فمصلحة من تخدم هذه السياسة؟ وصل الاقتصاد إلى شفير التضخم الجامح، الذي شهده العالم في الأعوام 1929 وما بعدها، حين فقدت النقود قيمتها وعاد الناس إلى المقايضة فيما بينهم، فهل نتعظ؟! وبقي مستوى الجور منخفضاً جداً.

ارتفعت أسعار المواد الغذائية فانتشر الجوع وطال ملايين المواطنين. يموت مئات الآلاف جوعاً في الوطن العربي سنوياً موزعين على العديد من الأقطار العربية، فكم منهم في القطر العربي السوري؟ لماذا نسمح لكبار التجار بقتلهم؟ هل يستطيع غالبية المواطنين أن يشبعوا إلا من الخبز، الذي رفع سعره مرتين تباعا!أصبحت اللحوم والفواكه بأسعارها الفلكية بعيدة عن متناول الجماهير، وحكراً على الأثرياء واللصوص، الذين يسرقون قوت الشعب، فأصبحت الأمراض تتكاثر كالسرطان بسبب تدمير قرابة مليوني مسكن كلياً أو جزئياً، والجوع وسوء التغذية! ماذا فعل الفريق الاقتصادي؟ أسرع برفع أسعار الأدوية بنسب فاحشة، كي تكتمل حلقة التدمير الوحشي لجماهير الشعب ولا مهرب من الموت! ماذا ستكون النتيجة بعد 5 أعوام من حرب الاستنزاف البربرية؟؟….

سيصاب بمرض(التقزم) الأطفال الذين لم يحصلوا على كفايتهم من الطعام كماً ونوعاً، مذ كانوا في رحم الأم حتى بلوغ الخامسة من العمر، ولا يكتمل نموهم العصبي والعقلي ويعانون صعوبة في التعليم وإنتاجيتهم في العمل منخفضة. يوجد في جمهورية مصر العربية 20مليون راشد مصابين بهذا المرض، يحتاجون إلى أدوية بقيمة 3,7 مليارات دولار سنوياً، بما يعادل 1,9% من الناتج المحلي الإجمالي. (المصدر: مصر تفقد أكثر من ،20 3 مليارات جنيه بسبب إصابة الأطفال بنقص التغذية – جريدة (أخبار مصر) تاريخ 20/6/2013).

فكم سيكون عددهم في الجمهورية العربية السورية، بعد الانتصار على العدو الغربي الاستعماري؟ هل يجوز أن نسمح للسياسة الاقتصادية أن تساهم في إبادة المواطنين، أم ينبغي عليها أن تحصنهم من الفقر والجوع والمرض؟ سعّرت وزارة الزراعة مثلاً كغ القمح بـ 61 ل. س وتباع الفريكة بين 600 و 700 ل س، فلماذا تفرض وزارة الزراعة السعر المتدني، الذي يكاد لا يغطي كلفة الإنتاج، ليجوع الفلاح ويهجر الأرض، ويجوع المواطن ويحصل التاجر على أكثر من 10 أضعاف سعر القمح! أية تقنية معقدة لتصنيع الفريكة تبرر هذه الأرباح الفاحشة؟!

إن رفع أسعار الأدوية قرار جائر ولن يساهم في تطوير صناعة الأدوية، بل (يخدرها) لتظل على غيّها وضعفها وعجزها عن الوقوف على رجليها، فتبدو رابحة!يقضي الرشاد الاقتصادي إجراء دراسة تقييم لبنيتها وعمر وسائل الإنتاج فيها وتقسيم العمل الدولي والمراحل التي تخصصت بها وتقسيم العمل الداخلي بين شركات الأدوية في القطر العربي السوري.

سياسة العملات المتبعة وتعويم الليرة السورية، جريمة في حق الاقتصاد الوطني، شوّهت العلاقات الاقتصادية وجعلت المجتمع والاقتصاد يدفعان ثمناً باهظاً. إن رفع أسعار السلع الضرورية والتي تتميز بأهمية إستراتيجية مثل الأدوية في وقت الحرب خاصة، حين تكثر الحاجة إليها، هو هي جريمة إنسانية واقتصادية، ينبغي التراجع عنها على الفور.إنها تضعف الأمن الدوائي مع كثرة الإصابات بسبب الحروب المتتابعة، التي يشنها على العرب العدوّ الأمريكي الأوربي الصهيوني.لا يستطيع الكثير من المصابين بشتى الأمراض من تناول الدواء اللازم، فتتردى حالتهم الصحية وقد يقضون نحبهم، فيكون رفع أسعار الأدوية خدمة للعدو الأطلسي! التراجع عن الخطأ فضيلة!

مشاكل الصناعة التحويلية…حساب الكلفة المطبق بدائي في الكثير منها، ولا يصلح أن يكون بوصلة الاستثمار والإنتاج.

يتولى دراسات الجدوى الاقتصادية الفنية وتقييم المصانع قبل إنشائها مواطنون غير مؤهلين اقتصادياً على مستوى الاقتصاد الكلي ولا على مستوى الاقتصاد الجزئي ولا فنياً. نادراً ما تجري دراسة اختيار الطاقة الإنتاجية والموقع الاقتصادي الأمثل واختيار وسائل الإنتاج الأكثر ملاءمة والتقنية المناسبة.يلجأ البعض إلى استيراد وسائل إنتاج مستعملة ومنسقة لتقادمها التقني أو الاقتصادي أو لكليهما معاً.

هامش الربح المخطط المنشود مرتفع جداً

تقنع المصانع والشركات في الدول الصناعية في ألمانيا مثلاً بهامش ربح 2% في فترة الركود الاقتصادي والكساد الاقتصادي. المهم أن تطفو فوق سطح الماء، لا أن تغرق في الخسارة.لقد جنى القطاع الخاص المصري أرباحاً طائلة خلال الـ30 عاماً الماضية وتمت حمايته من قبل الدولة وهذا ما جعله يتكاسل عن التطوير والاهتمام بالجودة، لذلك جاء دوره ليصارح نفسه بأنه يحتاج إلى إعادة هيكلة نظام العمل برمته، وإلا سوف ينهار الاقتصاد المصري.

يجب أن يدرك المنتج أنه بحاجة إلى مستهلك يشتري منتجاته، فإذا ما أبقى المستهلك فقيراً فكيف يتسنى له ذلك؟لقد تفاقمت مشاكل القطاع الخاص بعد أن تبنت مصر سياسات الانفتاح في السبعينات من القرن الـ 20 التي خلقت خللاً في المجتمع وجعلت الفقراء يزدادون فقراً والأغنياء يزدادون غنى، في ظل غياب مؤسسات فعالة تخدم مصالح العمال وتكون همزة الوصل بين أصحاب العمل والعمال. لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن للقطاع الخاص أن يعطي راتباً أقل من 100جنيه (المصدر: هيريت يفتح النار على القطاع الخاص المصري – حوار: رحاب سيد أحمد، جريدة (الأهرام الاقتصادي)21/10/2013).

هل يختلف الوضع كثيراً في القطر العربي السوري، بعد تبني اقتصاد السوق؟ تقبل المصانع في ألمانيا مثلاً أحياناً بالخسارة، وتسعى إلى  جعل الخسارة أقل ما يمكن. في حين لا تقبل الشركات ولا أصحاب المصانع في الوطن العربي ومنه القطر العربي السوري، حتى في فترة حرب الاستنزاف والبطالة التي وصلت إلى أكثر من 70% من القادرين على العمل، بهامش ربح أقل من 10 -15 ضعفاً من أرباح المصانع الألمانية في فترة الركود الاقتصادي.

تعتمد الكثير من المصانع العربية كما هو الحال في صناعة الأدوية في مصر على استيراد حصة كبيرة تصل نحو 90% من مستلزمات الإنتاج من الدول الأجنبية، مما يسبب ارتفاع الكلفة مع كل انخفاض لقيمة العملات المحلية بالنسبة للعملات الأجنبية. انخفضت العملة السورية مقابل العملات الأجنبية انخفاضاً كبيراً جداً، بسبب السياسة الاقتصادية الخاطئة بتعويم العملة وترك القطاع الخاص حراً في مجال الاستيراد، الذي يستورد الكثير من الكماليات.تبلغ قيمة واردات القطاع الخاص عدة أضعاف قيمة صادراته.

الإنفاق على البحث العلمي النظري والتطبيقي زهيد جداً أو معدوم، فكيف يمكن لها أن تكون أو تظل منافسة مع الزمن؟

كيف يكون الحل؟

من الضروري دراسة عملية الإنتاج وتقييمها وتحليلها في الصناعة الدوائية فنياً واقتصادياً ومعرفة نسب الهدر والتشريك وتبديد المواد والطاقة وقوة العمل، قبل تقديم أي دعم لها، بحيث يكون الدعم لمن يتبع الرشاد الاقتصادي وليس جزافاً.

ينبغي إجراء تقسيم عمل داخلي بين المصانع المشادة، بحيث يتخصص كل منها ببعض مراحل الإنتاج.

ينبغي رصد نسبة مئوية معينة من المبيعات في كل مصنع، للإنفاق على البحث العلمي التطبيقي، وينصح بالتعاون بين المصانع في هذا المجال.

على القطاع العام أن يلعب دوراً رئيساً في تطوير هذه الصناعة، والأمن الدوائي في غاية الأهمية.

تصدير الأدوية مجال مجز، إذا خُطّط بشكل رشيد ماذا ستكون النتيجة عند رفع الأسعار، بالنسبة للتصدير؟

ينبغي للدولة أن تدعم الصناعة من الخزينة، لا برفع الأسعار وتحميل المستهلك مسؤولية أخطاء السياسة الاقتصادية التي يتبعها الفريق الاقتصادي، أو سوء إدارة شركات الأدوية أو جشعهم للربح الفاحش، في الوقت الذي يعاني المرضى الكثير ويموتون لعدم قدرتهم على شراء الأدوية.

ينبغي على القطاع العام والقطاع الخاص، تشييد مصانع لإنتاج العديد من مستلزمات الإنتاج، عوضا عن استيرادها، انطلاقا من دراسة فنية اقتصادية لصناعة الأدوية في الوطن العربي والتخطيط لتقسيم عمل عربي وقطري بين المنتجين العرب في مجال صناعة الأدوية، يستفيد الجميع منه.

رفع مستوى الأجور إلى مستوى مقارب لمثيلها في الدول الصناعية في حساب الكلفة، للتأكد من القدرة التنافسية لهذه المصانع. فإذا لم تكن رابحة، يعني ذلك أنها لا تستحق الحياة!الجميع في الدول الأخرى وفي القطر العربي السوري، يستخدمون وسائل الإنتاج والمواد ذاتها، فينبغي للنتائج أن تتقارب. إذا لم يكن الحال كذلك، فيعني هذا إما أن تكون المعدات ووسائل الإنتاج متقادمة فنياً أو اقتصادياً أو كليهما معاً، أو أن التقنيات المطبقة تجاوزها الزمن، أو أن تأهيل العمال غير كاف أو أن الإدارة الاقتصادية غير رشيدة، أو أن الطاقة الإنتاجية صغيرة جداً، بحيث لا يتسنى لها أن تكون رابحة، فينبغي تحويل المنشأة من شركة عائلية مثلاً إلى شركة مساهمة، أو البحث عن تمويل جيد من المصارف وغير ذلك، لتتمكن من البقاء.

العدد 1104 - 24/4/2024