دراما المتّة.. بين العم والخال

كوردوبا، بيترا، كوورونا، العم.. .هذه ليست ماركات سيارات أو أسماء لاعبين من دوري كرة القدم في  أمريكا الجنوبية، ليست أسماء أبطال لروايات الواقعية السحرية، أو شخصيات من أفلام بازوليني.

إنها ماركات المتة التي هطلت مع عروض الدراما  الرمضانية، فنشاهد بين مسلسلي العم وبيترا  فواصل باهتة من (بقعة ضوء)، وتتخلل عروض مسلسل كوردوبا مشاهد من الجزء الثاني من (دنيا أسعد سعيد)، ويعرض مسلسل (عناية مشددة) في الاستراحات الفاصلة بين حوارات عويدل الفساد وديبة (من أبطال (ضيعة ضايعة) للمبدع ممدوح حمادة) عن متة العم، والفالس الذي يعزفه غطاس لحبيبته (من أبطال المسلسل المميز (الخربة) لنفس الكاتب) ليطلب منها جرعة من متة العم ما غيرها..

ومن الطبيعي أن كثيراً من (شريبة المتة) لم يتعرفوا بعد إلى هذه الماركات سوى في أضيق الحدود، والأنواع المعتادة التي يستهلكها الجمهور المتاوي معروفة وسبق أن قامت بحملات إعلانية لا تقل شراسة عن هذه الحملات التي نشهدها الآن في سهرات رمضان، حتى تمكنت من عقول وقلوب المستهلك الحبيب.. 

حكاية طغيان الإعلانات على بعض الأعمال الدرامية التي تحظى بمتابعة شعبية واسعة في رمضان تتكرر كل عام، وربما كان مبرراً من وجهة نظر أصحاب القنوات الذين يريدون استعادة ما دفعوه لقاء العرض الأول لهذه المسلسلات، لكن اللافت هو طغيان الإعلان على منتجات اللمسة الأخيرة، التي هي في جوهرها تدخل في باب العمل التجاري وليس المنتج، فالمتة مثلاً تستورد (دوكما) وما يقوم به (المنتج) هو تغليف المنتج ووضع الماركة واسمه الكريم على العلبة، ونفس الأمر ينطبق على المنتجات الأخرى بدرجات متفاوتة مثل المنظفات والبوظة وغيرها..

وقد ارتفعت أسعارها إلى 12 ضعفاً مقارنة ببداية الحرب، مما يدل على ارتباطها بسعر الدولار (المصورخ) أولاً وتضخم أرباح منتجيها الأشاوس ثانياً وثالثاً ورابعاً بدليل بذخهم الإعلاني.

وفي تأكيد من الشعب العنيد جدارته بهذا اللقب لم يؤثر هذا الجنون في أسعارها على (قرقعة) المتة ليلاً نهاراً لدى جمهورها الكبير، وما زالت القرقعة مستمرة..

***

حين سألوا البغل  أعزكم الله : من أبوك؟ أجاب بشموخ: خالي الحصان..

وأساس الحكاية لغير المتبحرين في علوم الحيوان هو أن البغل نتاج تزاوج الحمار مع الفرس، وبالتالي فإن الحصان المعروف بأصالته وعلو سمعته هو خال البغل..

هذه القصة القصيرة جداً تعكس حال الكثيرين من أصحاب المشاريع الإبداعية الذين يعتمدون على إرث العائلة، كأن يكون الأب ممثلاً نجماً أو مخرجاً قديراً أو كاتباً يشار إليه بالبنان، فيصر المحروس ابنه على وراثة النجومية من أبيه كما هو حال الممالك والجمهوريات والأحزاب والإمارات والدكاكين أيضاً، فيدخل بمعية معارف السيد الوالد إلى معاهد التمثيل أو يلج مباشرة ميدان الفن كونه يحمل مورثات الإبداع كابراً من كابر، وتمنح له أدوار لا يحلم بها كثيرون ممن أمضوا سنوات طويلة في مجال الفن، ثم يكبر بسرعة وتنبت له أجنحة وتتفتق مواهبه المتعددة فيصبح (ثلاثة بواحد) مثل طيبة الذكر فيفي عبده، ترقص وتغني وتمثل..

فتراه ممثلاً هنا وكاتب سيناريو هناك ومخرجاً هنالك، وناقداً لا يشق له غبار في الفضائيات خلال الشهر الكريم بسبب توقف الإنتاج..

وحين يُسأل في لقاءاته التلفزيونية عن مسيرته الفنية يسهب في الحديث عن الوالد وإنجازاته الفنية تاركاً للجمهور تقدير مواهبه من كمية المورثات التي انتقلت إليه.. وكأني به يقول: خالي الحصان..

وكل رمضان وأنتم (تقرقعون) المتة وتشاهدون بقع الضوء..

العدد 1105 - 01/5/2024