هذا خبز الناس وليس خبز الحكومة

تدرك الحكومة أن قضية ما تبقى من مواطني البلاد يعانون الأمرين، ليست سعر الخبز فقط، وتعلم هذه الحكومة أن القضية الأساسية في الموضوع المعيشي، لها علاقة مباشرة بانخفاض الدخول أمام تصاعد الخط البياني للأسعار، والانفلات الموجود في الأسواق. إلا أن تركيز مجلس الوزراء بين الفينة والأخرى على المادة الغذائية الأساسية، التي لا غنى عنها، يعكس الخيارات الضيقة التي تحشر الحكومة نفسها فيها، ووقوفها ضمن دائرة الطباشير القوقازية، وعجزها عن مواجهة التحديات الماثلة أمام الجميع، وهو محاولة فاشلة حتماً لتذكير الناس بمنجز ما يقدّم أمام هذا الضعف العام في الأداء. بات واضحاً، وبما لا يدع مجالا للشك، أن هذه الحكومة التي تحابي الأقوياء اقتصادياً على حساب الضعفاء، تذهب إلى المطارح الاقتصادية الحمراء، وذات الحساسية الفائقة، التي تؤثر سلبياً على السواد الأعظم من الشعب السوري. فقبل فترة زعمت أن الخبز يتعرض للهدر، فرفعت أسعاره، بينما الحقيقة المريرة التي لا يمكن تجاهلها، أن من يتاجرون بالخبز والطحين التمويني، معروفون، ومنهم مسؤولون عن ملف الخبز ذاته، فعاقبت الحكومة بإجرائها المذكور ملايين الفقراء، دون أن تتجرأ على محاسبة بضعة محتكرين وفاسدين، وعدد من ضعاف النفوس.

لا تعدّ قضية تسعير الخبز في بلادنا، قضية اقتصادية ومالية، إنها قضية سياسية واجتماعية ووطنية، تمس ملايين الفقراء والمعوزين، الذين على ما يبدو تحاول الحكومة التخلي عنهم، وتركهم عرضة لتوحش الأسواق، ومخاطر النهج الليبرالي الذي لا يسمح لهذه الفئات أن تعيش بسلام وكرامة. كما أن الحكومة تسعى عبر مواقف كهذه إلى تحقيق وفر مالي، وزيادة إيراداتها، في وقت أحوج ما يكون شعبنا إلى الدعم الحقيقي، والوقوف إلى جانبه، لاسيما في القضايا المعيشية الأساسية. تعفي الحكومة كبار رجال الأعمال من الضرائب، وتزيد الأعباء على المهمشين والفقراء، ما يعني أن الحكومة التي تطلق على نفسها أنها حكومة الحرب، هي حكومة الأغنياء، الذين لا يخسرون في الحرب أو السلم، بل إنهم يراكمون ثرواتهم في كل الأزمنة، مقابل تعمّق الفقر، وتجذّر العوز.

 في مقلب أخر، هل من حق الحكومة أن تتصرف بقضية الخبز بهذا الشكل؟ قطعاً لا، إنها تمس قضية يملكها المواطن السوري، وهو صاحب الحق في اتخاذ القرار المناسب بها، فهذا خبز الناس وليس خبز الحكومة والأقوياء اقتصادياً، ويموّل السوريون الفارق بين تكلفة رغيف الخبز الحقيقية، وسعره المحدد، من ضرائبهم ورسومهم التي يسددونها، ومن تعبهم وعرقهم وصمودهم في وجه التوحش الليبرالي الذي تقوده تيارات سياسية وحكومية. تجانب الحكومة الصواب، عندما تبتعد في قراراتها وتوجهاتها عن المواطنين، وتتخلى عن دعمهم الذي يجب عليها أن تديره بكفاءة. ربطة الخبز، او الربطتان، حاجة الأسرة السورية يومياً، لا تشكل عبئاً حكومياً، هذا حق للمواطن، يكفله الدستور، والتوجهات العليا التي ترى في المواطن وقضاياه ومصالحه البوصلة. لكن، على ما يبدو، الحكومة تحاول الإبحار عكس هذه البوصلة، بلا أسباب مقنعة، ودون أن تمتلك الصلاحية، فهل تقوم بذلك معتقدة أن لا أحد يحاسبها؟

تلهث الحكومة عبر دوائرها العليا، والمستويات الرفيعة، خلف فارق زهيد في سعر ربطة الخبز (٥٠ ليرة مبيع، وتكلفة ٢٢٠ ليرة)، بينما تتغاضى عن تقصيرها في دعم الفلاح والصناعي، وتترك الضعفاء اقتصادياً بلا مظلة اجتماعية في الزمن الصعب، والوقت العصيب. وبدلاً من أن تستمر في دعم المواطن، بما تبقى من خدمات قليلة تقدمها ضمن الحد الأدنى، تتشدد في أن يدعمها المواطن، وتوفير الرفاهية لأعضائها. كل ما قيل في موضوع الخبز حكومياً، يخشى أن يكون تمهيداً رسمياً لسحب الدعم عنه، وجزء من التسريبات هي أشبه ببالونات الاختبار، وجس نبض الشارع المتهالك، والمتعب. لكن حذار أيتها الحكومة، فتحريك سعر الخبز، يحوّل عدداً كبيراً من المواطنين إلى جوعى، ولا يمكن مقارنة أصحاب بُطُون خاوية، بخزينة حققت وفراً مالياً!

العدد 1105 - 01/5/2024