وللصمود حكاية اسمها حمص…

 لأنهم أحبوا الحياة أكثر من غيرهم، فقد كان لهم نصيب من الموت أكثر من غيرهم أيضاُ. ولأنهم عاشوا لمدينتهم فقد دفعوا ثمن الحرب التي تتعرض لها سوريتنا الحبيبة أضعافاً مضاعفة من دماء أطفالهم وأبنائهم ودمار مدينتهم التي بنوها حجراً فوق حجر. بطريقة أبعد ما تكون عن الإنسانية يداهم الموت بيوت حمص وحاراتها، هذه المدينة التي شربت من ماء العزة والكرامة  وتطهرت بالعنفوان، فيسرق زينة شبابها وأطفالها، يهاجمهم بطرق وحشية  ابتداء بالخطف والقتل وليس انتهاء بالتفجبرات المتتالية التي نسمع عنها يوما بعد يوم.

تفجير بعد آخر يستهدف هذه المدينة النابضة بالحياة فيحاول إسكات النبض فيها، لكن دونما جدوى، فمدينة ابن الوليد وجوليا دومنا وديك الجن لم تخلق لتموت على يد باردة حاقدة لا تعرف الرحمة طريقاً إليها، وآثارها التي بقيت شامخة صامدة آلاف السنين لن يقوى على هدمها من يسمون بالمارقين.

لم تكن البداية بتفجير عكرمة الذي حصد المئات من أرواح أطفالها الأبرياء فزادهم إصراراً على الحياة، وكانوا بحق مثالاً للصمود والشموخ، لكن كان لهذا التفجير الوقع الأكبر في قلوبنا، فضحاياه كانوا أطفالاً لم يروا من الحياة سوى براءة دمية  لعبوا بها قليلاً أو صفحة بيضاء من دفتر مدرسي لم يكملوا بعد صفحاته  بأيديهم الغضّة، انتظروا يد الفرح لتمسك بيدهم وتأخذهم إلى العيد، فامتدت لهم يد الموت قبلها وسرقتهم على غفلة من أعين الزمن.

وبعد تفجير عكرمة تتالت التفجيرات الغادرة التي امتدت يدها إلى هذه المدينة وأحيائها ومدارسها، فهاهو تفجير الزهراء الذي استهدف منذ عدة أيام أحد المستوصفات  في الحي، وحصد أيضاً العشرات من أرواح الأبرياء رجالاً ونساء وأطفالاً، وكثر ممن اتجهوا لتلقي العلاج من مرض أو إصابة، كان العلاج بالشهادة والموت على يد من لايعرف إلا القتل لغة وكلاماً.

على الرغم من كل ذلك، على الرغم من القتل والذبح والتفجير والخطف والتنكيل التي يستخدمها هؤلاء التكفيريون، ستبقى حمص ككل المدن السورية صامدة شامخة. ستبقى حمص عاصمة سورية الثقافية وعاصمتها المقاومة، منيعة ضد كل إرهاب.

العدد 1105 - 01/5/2024