قامات سورية….يوسف العظمة

 هو يوسف بن إبراهيم بن عبد الرحمن العظمة، سليل أسرة دمشقية توارثت التقاليد العسكرية منذ القرن السابع عشر.

ولد يوسف في حي الشاغور (الصمادية) بـدمشق الشام، في منتصف شهر رجب عام 1301هـ الموافق 9 نيسان 1884م، وكان أبوه موظفاً في مالية دمشق، وقد توفي حين كان ابنه يوسف في السادسة من عمره، فتعهد تربيته شقيقه الأكبر عبد العزيز، ولما ترعرع دخل المدرسة الابتدائية في الياغوشية بالقرب من دار أبيه، ثم التحق بالمدرسة الرشدية العسكرية في جامع يلبغا بحيّ البحصة بدمشق عام 1893م، ومنها تابع دراساته العسكرية في دمشق في المدرسة الإعدادية العسكرية وكان مقرها في جامع دنكز، وبعد عام واحد (وبالتحديد في عام 1900م) انتقل إلى مدرسة (قله لي) الإعدادية العسكرية الواقعة على شاطئ البوسفور المضيق بالأستانة استنبول، وتخرج فيها بعد سنة ضابطاً في سلاح الفرسان.

 وفي عام 1901م التحق بالمدرسة الحربية العالية في الريانغالتي بالآستانة وتخرج فيها عام 1903 برتبة ملازم ثان، وفي عام 1905م أصبح ملازماً أول. ومن ثم انتقل لمدرسة الأركان حرب حيث أتم فيها العلوم والفنون الحربية العالية وحصل على رتبة نقيب أركان حرب عام 1907م وكان الأول بين رفاقه في صفوف المدرسة كلها، فكوفئ على نبوغه بالميدالية الذهبية (وسام المعارف الذهبي) المحدثة من قبل السلطان عبد الحميد الأول لتلاميذ المدارس العالية.

كانت العلاقات قوية بين الدولتين العثمانية والألمانية في تلك الفترة، وكان يجيد اللغة الألمانية وكذلك التركية والفرنسية قراءة وكتابة وتحدثاً إضافة إلى اللغة الأم، فاختارته القيادة العسكرية العثمانية ليكون لفترة معاوناً للقائد الألماني (ديتفرت)، ثم عاد وأرسل إلى لواء الفرسان المرابط في ثكنة (رامي) بالآستانة، نقل بعدها إلى فوج القناصة (تشانجي) المشاة العاشر في بيروت حيث عهد إليه تعليم الجند اللبناني.

وفي عام 1908م استدعي إلى الآستانة وعيّن مدرباً مساعداً لمادة التعبئة في مدرسة أركان حرب التي أحدثت حينذاك في قصر (يلدز) السلطاني، ثم نقل عام 1909م ليكون مع الجيش العثماني المرابط في منطقة (الرومللي) على البر الأوربي، وفي العام نفسه أرسل في بعثة عسكرية إلى ألمانيا حيث التحق بمدرسة أركان الحرب العليا لمدة سنتين، وعاد بعد ذلك إلى الآستانة على أثر مرض أصابه لشدة البرد في ألمانيا وثم عيّن ملحقاً عسكرياً في المفوضية العثمانية العليا في القاهرة.

حين اندلعت الحرب العالمية الأولى 1914-1918 أُرسل رئيساً لأركان حرب الفرقة الخامسة والعشرين العاملة في بلغاريا، وشارك مع القوات الألمانية في ميادين النمسا ومكدونيا ورومانيا، وكان موضع ثقة وتقدير لدى قائد الجبهات المارشال (ماكترون) قائد القوى الألمانية المحاربة، فأخذه لهيئة أركان حربه باسم الجيش العثماني، ثم عاد يوسف إلى الآستانة حيث اختاره وزير الحربية العثمانية أنور باشا مرافقاً له، وتنقل معه لتفقّد الجيوش العثمانية في الأناضول وسورية والعراق، وعلى أثر تدهور الموقف بجبهة القفقاس عيِّن رئيساً لأركان حرب القوات المرابطة في القفقاس.

وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى في نهاية تشرين الأول عام 1918م وعقدت الهدنة بين المتحاربين عاد إلى الآستانة (إستنبول)، ومنها قدم إلى دمشق (مسقط رأسه) عقب دخول الأمير فيصل بن الحسين إليها.

اختاره الأمير فيصل مرافقاً له، ثم عين معتمداً عربياً في بيروت. ذكر عبد العزيز العظمة الشقيق الأكبر ليوسف، في مذكراته عن شقيقه، أن يوسف- رحمه الله- كان يلتهب غيرة على الوطن، وكان يعتقد أن بإمكان سورية إذا نظمت دولتها وجيشها أن تكون نواة لدولة عربية موحدة كبرى تجمع حولها جميع الأقطار العربية، وكان ينادي ببذل النفس والنفيس لإعلاء شأن الوطن بحيث أصبح مرجعاً محترماً للأهلين والقوميين العرب حينذاك، وذ نفوذ عظيم في الساحل مما حدا بـالجنرال غورو لأن يشكو لسمو الأمير من يوسف، خلال اجتماعه به في بيروت (بعد عودة الأمير فيصل من أوربا) وطالب بإبعاده عن بيروت.

بناءً عليه سُحب يوسف من بيروت وعُيّن بالنهاية رئيساً لأركان حرب القوات العربية في سورية، فبدأ بتأسيس الجيش العربي السوري، فقام خلال مدة وجيزة بتشكيل جيش عربي يشبه في نواته وتنظيماته وتدريباته الجيوش الألمانية المنظمة وكان قوامه يزيد على عشرة آلاف جندي.

بعد إعلان استقلال سورية وتتويج الأمير فيصل ملكاً عليها في 8 آذار 1920م، وتوضحت نوايا الغدر الاستعماري من فرنسا وإنكلترا وبخاصة بعد صدور مقررات مؤتمر سان ريمو (25 نيسان 1920م) التي ينص أحد بنودها على وضع سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، وتأزمت الأوضاع بين حكومة سورية والحكومة الفرنسية، مما دعا إلى تأليف وزارة دفاعية جديدة في البلاد، فكانت برئاسة هاشم الأتاسي وكان يوسف العظمة وزيراً للحربية فيها.

لقد سار إلى جبهة ميسلون كقائد للمجاهدين لا كوزير حربية، وخاض معركة استشهادية لم يكن منصبه يلزمه على خوضها، لكن إيمانه وصدق إخلاصه لوطنه وسمعته وشرفه وكرامة أمته، كل ذلك دفعه إلى خوض معركة الشهادة يوم السبت 24 تموز 1920م، فكان من أوائل شهدائها، وروى بدمه الطاهر أرض ميسلون وانتقلت روحه الطاهرة إلى عالم الخلود، ودفن حيث وقع، وأقامت له أسرته ضريحاً على شكل القبور الإسلامية وكتب عليه بالعربية فقط:

يوسف العظمة.

وزير الحربية

في 7 ذي القعدة سنة 1338 هجرية

العدد 1107 - 22/5/2024