ماري عجمي…الأديبة والشاعرة والصحافية

 الأديبة والشاعرة والصحافية ماري عجمي هي المرأة التي أنشأت(العروس)، أول مجلة نسائية في سورية عام 1910 م، ومارست الترجمة عن الإنكليزية، وكذلك العمل الاجتماعي النضالي، وفن الخطابة في سورية ولبنان.

ولدت ماري عجمي في دمشق في 14 أيار 1888 م، وهي ابنة عبده يوسف العجمي ، أصلها من حماة، انتقل جدها الأعلى إليان الحموي إلى دمشق في القرن ال 18 ورحل جدها يوسف من دمشق في تجارات الحُلي إلى بلاد العجم، فقيل له العجمي. كان والدها عبده أحد أعضاء المجلس الملّي الأرثوذكسي ووكيل الكنيسة الكاتدرائية، وكان محباً للعلم والأدب. وأما والدتها فهي زاهية ابنة جرجي يورغاكي، وقد عاشت حتى يوم وفاتها في حي قديم من أحياء دمشق المظلمة يسمى الحارة الجوانية من زقاق (طالع الفضة) في منطقة (باب توما).

درست ماري في دمشق في المدرسة الايرلندية وهي ابنة خمس سنوات، ثم في المدرسة الروسية إلى سن الخامسة عشرة، ثم درست التمريض في الجامعة الأمريكية في بيروت 1906. عاشت في فترة عصيبة من تاريخ الأمة العربية هي عهد الاستعمار العثماني، وعصر الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، لذلك كانت رائدة بارزة من رائدات النصف الأول من القرن العشرين في التعليم والصحافة والكتابة ونظم الشعر، وقد دأبت على غرس الحس الوطني الصحيح في نفوس الطالبات وتوجيههن في الخط القويم، وكذلك عملت في المجال الاجتماعي وأسست النوادي والجمعيات النسائية، كالنادي الأدبي النسائي سنة 1920 م، في دمشق، وجمعية نور الفيحاء، ومدرسة لبنات الشهداء.

صدر العدد الأول من مجلة (العروس) عام 1910 م، بعدد صفحات لم يتجاوز 32 صفحة، ثم أصبحت 40 صفحة عام 1914 م، بعد ذلك توقفت المجلة عن الصدور أثناء الحرب العالمية الأولى، إلا أنها عادت إلى الصدور بـ64 صفحة عام 1918 م. جذبت المجلة الكثير من الأدباء والشعراء كالشاعر إيليا أبو ماضي، والشاعر ميخائيل نعيمة، والأخطل الصغير وبدوي الجبل. حاول الفرنسيون إقناعها بالكف عن مهاجمتهم في مجلة(العروس) مقابل مبالغ طائلة، لكنها رفضت، فما كان منهم أمام عنادها إلا إيقاف المجلة، غير أن ذلك لم يوقف نشاطها، فانصرفت إلى التدريس لتغرس في صدور طالباتها الحس الوطني ومناهضة الاستعمار.

توقف إصدار المجلة نهائياً عام 1926

خلال مسيرتها النضالية التقت بالمناضل بترو باولي الذي تواعدت معه على الزواج، وقد جمعت بينهما روح النضال والكفاح ومحاربة الظلم والاستبداد التركي، ولكن خطيبها قبض عليه الأتراك وسجن، ثم أعدم مع من أعدم من الشهداء الأبرار الذين قضى عليهم السفاح جمال باشا سنة 1916 ماسبب لها حزناً شديداً وزاد في ثورتها ونقمتها على الأتراك، فكتبت العديد من المقالات في ذكرى 6 أيار ذكرى الشهداء، وناشدت أبناء وطنها أن يلتفتوا إلى ثروات أرضهم ويستثمروها ويقفوا في وجه المستعمر الذي يسلب خيرات بلادهم، كما أنها لم تتزوج بعد خطيبها ولم تنسه، لأنه ذهب ضحية الغدر والظلم، فلم تتوقف عن متابعة النضال دفاعاً عن وطنها وعزته واستقلاله.

كانت الصحفية الوحيدة التي تسنى لها أن تدخل السجون في دمشق زمن الحكم العثماني وتطّلع على مافيها من فساد وقهر، فكانت تكتب وتصف ما شاهدته هناك،  مما أثار النقمة في النفوس وحفز على الثورة والانتفاضة وشحن الناس بالحميّة للتحرر.

وقد رشت (الخفير) أكثر من مرة بربع مجيدي ليسمح لها برؤية من تشاء، حين كان يحضره إلى البهو في سجن جامع (المعلق)، وهو جامع أثري قديم يجري تحت ردهته الرحبة أحد فروع نهر بردى، وكانت ردهته تضم 420 سجيناً من كل طبقات الأمة. هذا ما ذكره عيسى فتوح في مقال عنوانه (شاعرة دمشق).

قال عنها رئيف خوري في تأبينها:

(نذرت حياتها نذراً للأدب، حتى ليمكن القول إنها ترهّبت للأدب ولم تكن عروساً لغير القلم).

أسست مع السيدة نازك عابد بيهم النادي النسائي الأدبي، وانتخبت عضواً في الرابطة الأدبية التي أسسها الشاعر خليل مردم بيك، وكانت المرأة الوحيدة فيها.

لقد أعطى الله هذه السيدة موهبة شعرية نادرة ولو أنها تفرغت لنظم الشعر ولم تصرف جلّ وقتها في التدريس والترجمة والمجلة لكانت تركت ديواناً ضخماً.

في افتتاح النادي النسائي الأدبي قالت ماري:

إصلاح البلاد لا يتحقق ما لم يوجد التوازن بين الجنسين في العلم والمعرفة، ليتعاونا معاً في الوصول إلى مركزهما العلمي، إن صرخة النساء في طلب المساواة طبيعية لا مناص منها، وبرهاني على ذلك يقتضي الرجوع إلى التاريخ، فإذا قلبتم صفحاته ترون الأمومة أقدم عهداً من الأبوة.

كما قالت في الاستقلال: من ذا الذي يقول إننا أمة لا يليق بها أن تمنح الاستقلال، لا تعرف أن تحكم ذاتها بذاتها؟ وا أسفاه حتى الآن لا تزال الأغراض تلعب بنا والضعف يكمّ الأفواه والتحزبات تمثل بنا. فلنعمل معاً على إحياء الوطنية في قلوب أبناء سورية وبناتها، لأنه إذا استولت علينا فرنسا لا تجعلنا فرنسيين، ومحال إن حكمتنا بريطانيا أن نصير بريطانيين.

فازت ماري عجمي بجائزتين من الإذاعة البريطانية في المباراة الشعرية لعامي 1946 و1947.

استمرت بالمساهمة في التحرير والإنشاء في مختلف الصحف والمجلات الأدبية ودور الإذاعة في الأقطار العربية والمهجر.

توفيت يوم السبت 25 كانون الأول 1965.

العدد 1105 - 01/5/2024