رعد بلا مطر

قد تُطرب العصافير الصغيرة بزقزقتها رؤوساً كبيرة، وقد تدخل الكلمات اللطيفة أبواباً من الأسمنت والحديد، وتكسر حصاة صغيرة خابية كبيرة من العسل، ويغرق مسمار صغير سفينة إذا ثقبها، وقليل من الماء الجاري قد يحفر مع الأيام نهراً في الصخر.

ولا تقاس حياة الفرد  عند العقلاء  بفقره أو غناه، ولا بقوته وجبروته، ولا بنسبه وانتمائه، إنما بعمله وصدق أقواله، فالإنسان وردة، عطرها هو كلامها، وفعلها هو الثمر.

(إن العاقل الحكيم لايدع كلمته تخرج من فمه قبل أن يستثير عقله، فإنه خير للرجل أن يعثر من قلبه من أن يعثر بلسانه) وما أكثر الذين يسبق لسانهم تفكيرهم، فيتكلمون بعكس ما يُضمرون، ويتهامسون بخلاف ما يفكرون.

وليس أجمل وأنبل من ذاك الذي (يريد أن يرتفع بكلمته دون أن يدوس من هم دونه، أو يحسد من هم فوقه).

إن الكلمات تصبح رخيصة إذا لم تقترن بالعمل الطيب، والنوايا الحسنة، وتصبح أرخص إذا لمعت دون أن تنفع، مثلها مثل زهر بلا ثمر، ورعد بلا مطر.

وما أشبه الناس بالبحار والمستنقعات والبحيرات، ومجاري الأنهار، يتشابهون في السطوح والمظاهر والوجوه، جلودهم ملساء، وشعورهم ناعمة، وعيونهم لامعة، لكن الأعماق تختلف، والنوايا تتنوع، منهم من يخبئ في أعماقه اللؤلؤ والمرجان والكنوز الثمينة، فدائماً كانت مناجم الذهب في باطن الجبال والمياه الصافية في أعماق الوديان، ومنهم من تعفنت أحشائهم، وتسممت نواياهم، مثلهم مثل الطحالب المتسلقة، والأعشاب السامة،  والمياه الآسنة، هدفهم في الحياة، قتل الحياة.

وماذا نأمل من البعوض إلا اللسع، ومن الأفاعي والعقارب إلا اللدغ، ومن التماسيح والضباع إلا بلع وأكل من حولها وهم أحياء!

قد نجد في حياتنا أناساً أفعالهم كالنار، يحرقون ولا يضيئون، يشوون من حولهم بصمت وسكون، كما يشوي الجمر اللحم، ويقتلعون كل من يصادفهم بلا ضج أو صخب، يجرحون بلا سكين، ويغتالون من غير رصاص!

إنهم عمالقة ونوابغ في إيذاء الآخرين!

(والدهر دوار.. ساعة مع الكبار، وساعات طويلة مع الصغار) ومن أراد الحياة، فليُعد للقاء هؤلاء الصغار قلباً صبوراً، وصدراً رحباً، (فعظمة العظيم تظهر دائماً في معاملته للحقير!).

العدد 1105 - 01/5/2024