الزراعة والأمن الغذائي

كانت الندوة الحوارية الثانية لملتقى الثلاثاء الاقتصادي غنية وعميقة وشفافة تحت عنوان  (الزراعة والأمن الغذائي)، و أغناها التعاون المثمر البناء من مديرية الزراعة واتحاد الفلاحين وإن كان خجولاً. بعد دقيقة الصمت بدأ الكلام رئيس الجلسة الدكتور سنان علي ديب معتبراً أن الأمن الغذائي حصن حصين لداخل البلدان، وجدار حماية لما يحاك له، وبوجود المؤسسات القوية أس استمرارية التنمية والبناء.

واستطرد: بعد أن وصلنا إلى مرحلة الأمن الغذائي التام عبر برامج زراعية وبنى تحتية قوية فاض القمح ليصل إلى ـ5,3 ملايين طن، والقطن إلى مليون طن، إضافة إلى الشوندر والتبغ والحمضيات والزيتون. وجاءت عواصف اللبرلة فهزت الأمن الغذائي وهاجر الفلاح من أرضه، وقدر عدد المهاجرين بنحو 600 ألف بعد رفع أسعار الوقود وخاصة المازوت وتحرير سعر الأسمدة بعد تركها لتجار الاحتكار والقلة. ورغم أن الأزمة انعكست على الزراعة بنحو 35% خسارة إنتاج و40 % مساحة و60 %خسارة أعداد الثروة الحيوانية التي كانت تفيض وتصدّر، وانخفاض العمالة بنحو النصف ومن أصل 2,9 مليون طن قمح وصل للحكومة 450 ألف كيلو مع تخريب منظم وقطع أشجار وقمح وقطن وتهريب مبرمج، وبالتالي جاءت الأزمة لتستكمل ما بدأت الليبرالية ومنفذوها بفرضه قبل الأزمة مهما كانت نتائجه.

ثم تكلم السيد عبد الرزاق الدرجي متفقاً مع الدكتور سنان من ناحية أهمية الأمن الغذائي الذي وصلنا إليه عبر سياسات وبرامج حكومية متكاملة، قُطع بنهج اقتصادي يحابي القلة على حساب الأمن الغذائي وأكد أن العودة للأمن الغذائي ضرورة ملحة تقتضي البدء بالحل السياسي والاستمرار بالمصالحات السورية السورية وعودة الدولة لتوجيه العملية الاقتصادية وقيادتها، والعمل على استصلاح أراضي جديدة وتثقيف الفلاحين وتزويدهم بطرق الري الحديثة، وإعطاء أسعار تشجيعية للمحاصيل، وضم الحمضيات والزيتون والتبغ للمحاصيل الاستراتيجية.

ثم تكلم السيد خالد العبود رئيس دائرة الاقتصاد الاجتماعي والاستثمار، عن مقارنة سعرية بين تكلفة الكيلو من الحمضيات بين عامي 2010 و2014 و2016 فلاحظ أنه ارتفع من ثماني ليرات إلى حدود 32 ليرة سورية موضحاً أن الإنتاج نفسه، بينما تضاعفت التكاليف بحدود 4-5 أضعاف وأن أغلب المزارعين في حكم الخسارة المستمرة وأن تكاليف التسويق تساوي 65 %من التكلفة، وأن أجرة العامل في 2010 كانت ألف ليرة وفي2016 آلاف وخمسمئة ليرة.

 فادي كزعور قال بأن عائدية الخضار وضرورتها أهم من الحمضيات، وتساءل: لماذا لا تفعل الوزارة مثلما تفعل الاستهلاكية بالمستوردين، وتفرض حصة من البذار أو العلف أو الأدوية بسعر الكلفة لتوزعها على المحتاجين؟ وكذلك سأل: لمَ لا يكون هناك توجيه لاستيراد المبيدات من الصين بدلاً من وكلاء ووسطاء ودول أخرى أكثر غلاء؟ وتحدث عن ضرورة إيجاد مشتل للخضار للساحل ولكل محافظة على حدة، وضرورة تشجيع الزراعة المنزلية للأسر فالأمن الغذائي للأسر أمن غذائي للبلد، والأزمة تقتضي ثقافة تكثيف الزراعة، ودعا الحكومة لمنع بقاء أراض بور غير مزروعة حتى لو اقتضى الأمر استخدام القوة القانونية، ووجه لضرورة مراعاة خصوصية كل منطقة ومحافظة للتراخيص المتعلقة بالزراعة والثروة الحيوانية وصناعتها. السيد خالد العبدة ذكّر بتكاليف 1 كيلو غرام بندورة بـ66,74 وكيلو غرام من الخيار 81,93 والاختلاف بسبب المبيدات.

ونوه السيد عمران إبراهيم بجودة القمح الذي أنتجته الدولة ضد الصدأ الأصفر والتملح، وتساءل كيف يمرر مرسوم الزراعة العضوية في ظل ظروف الأزمة وهي زراعة غير منتجة وتمييزية لفئة الأغنياء فقط، وتساءل كيف تترك الحكومة السوق للتجار وخاصة الأسمدة، وفي دولة تصنف رأسمالية كالهند يعد السماد سلعة استراتيجية تحت سيطرة الحكومة ويدعم السعر للفلاح بما يناسب ظروفه. ثم تكلم السيد نيازي سلوم بأن وزارة الزراعة لا تلعب أي دور إلا تجهيز المنتج من الناحية الفنية بالنسبة للحمضيات والزيتون ويترك الباقي للسماسرة وللتجار، وتساءل عن قانونية النسب للمصدرين ولهيئة دعم المنتجات وحتى القرية الروسية. تكلم عن فقدان الاتحادات والنقابات للدور المنوط بها إلا كقابض لأموال المنتسبين. وركز على الدور السلبي الذي قامت به حكومة ما قبل الأزمة من تهشيم الأمن الغذائي.

وركزت عروبة الخير على الدور الهام للمنظمات والاتحادات في الثمانينيات هذا الدور الذي قوض وفرغ من محتواه. تكلمت المهندسة دينا إلياس عن الدور المهم لتدخل الحكومة في أزمة الثمانينيات وهو ما نفتقده اليوم.

وأخيراً ختم الدكتور سنان بأنه يجب العمل على التحالف بين الشرفاء والمؤسسات لتجاوز الصعاب، وأنه بلا عودة دور المؤسسات الحكومية وقيادة الحكومة للعمل الاقتصادي فلا حلّ، وان الأمن الغذائي مساند لدور المؤسسة العسكرية ويجب العمل على إعادته، وبلا عودة دور المنظمات والاتحادات ومؤسسات الأعلاف والبذار والثروة الحيوانية، وبلا إعادة النظر بأسعار الوقود وأسعار الدولار لا عودة لهذا الأمن وانتصار للمافيات ولتجار الأزمة والدماء.

وأخيراً شكر مدير الزراعة ومعاونه والخبراء الذين حضروا الجلسة، ودعاهم للجلسة القادمة بعنوان التشاركية بين الضرورة والابتعاد عن روحيتها..

العدد 1104 - 24/4/2024