صفات بيولوجية لا أكثر

 عندما مرّت بي قصتها، كان كل شيء مميّزاً: اسمها، وإنجازها، حتى صورتها وشعرها القصير،

ورحلتها لم تشبه أيّة رحلة فقد كانت الأولى.

حينذاك تغيّرت معالم الدنيا في عيني، صارت لأحلامي ألوان تصرخ للحياة أشعلت في كياني رغبة في ترك بصمة وأثر لأكون مثلها.

فهذه الأنثى لا تشبه من نعرف: (فالنتينا تريشكوفا) رائدة الفضاء الأولى التي صعدت إلى الفضاء برحلة منفردة دون طاقم، وقد أمضت في رحلتها تلك 3 أيام و70 ساعة و 50 دقيقة استطاعت فيها الدوران حول الأرض 49 مرة. كل هذا ومازال عمرها 26 عاماً.. لم يكن هذا محض مصادفة، فقد سبقته خطوات مهدت له، ففالنتينا بطلة إقليمية للقفز بالمظلات عندما كانت في العشرين، ممّا أهلها لتكون مُرشّحة للمشاركة في تلك الرحلة الفضائية والخضوع من بين 4 زميلات لتدريب امتدّ لخمسة أيام.

عادت إلى أرضها ووطنها وعائلتها باسم صار الأشهر، وعمل هو الأهم، وهي ابنة عائلة يعمل رب أسرتها سائق جرار زراعي وعامل في مصنع.. وكونها أنثى أو فتاة لم يمنعها من فعل ما رغبت فيه.

عملت في مصنع إطارات ودرست الهندسة، تخرجت مهندسة فضاء وخاضت الرحلة كأول سيدة، نالت الدكتوراه في الهندسة ولم تقف، لم يُعكر صفو همّتها كلام وتصغير شأن.

راحت إلى المجال السياسي، فترأست لجنة المرأة السوفيتية وانتُخبت لمجلس النواب الروسي، كما أنها شغلت منصب نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية.. تكلّل صدرها بالأوسمة… لماذا لم يُرسل عوضاً عنها شاب ليخوض الرحلة؟ لمَ وافق ذووها على خطواتها تلك؟ لماذا يفخر بها مجتمعها وهي أنثى؟

ببساطة.. رقي العقل والتفكير جعل الرؤية واضحة، وحتى وإن كانت فتاة، فهي إنسان وجزء فعّال في الوطن والمجتمع وقادرة على الخوض في كل المجالات لا ينقصها من الذكاء والصبر شيء.

كانت فخراً لمجتمع ووطن نشأت فيه، فقد استطاعت مثلها مثل أيّ شّاب رفع راية العلم والتحصيل العلمي العالي.

فلو أن بعض المجتمعات ذات التفكير المريض ترقى إلى هذه الحالة من التفهم والوعي، لأن الأنثى مخلوق بشري طبيعي لا يختلف عن الرجل إلا بالصفات البيولوجية لا أكثر، وهذا اختلاف جميل لتكتمل لوحة الحياة وتستمر البشرية بطرفين، وليس اختلافاً في المدارك والمستقبلات الحسية ومساحات الذاكرة والقدرات العقلية.

كم يصعب شرح فكرة المساواة العلمية والفكرية لمجتمعات لا يمكن تصنيف تعاملها مع الأنثى إلاّ بكونها عدداً وعاملاً له مهام يُطعمونه مقابل ما يفعل!!

العمل قائم ومستمر حتى تنتشر ثقافة الوعي والتفهم لمسألة المساواة وهذا ما تعمل عليه بعض الدول، علّنا نصل يوماً إلى سدّ ثغرة من الثغرات الفكرية في المجتمع، فنحوّل النضال عن مجال حقوق المرأة والمساواة إلى قضايا أخرى!

 

العدد 1104 - 24/4/2024