إعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي والإعمار

أكد المشاركون في الندوة السادسة لملتقى الثلاثاء الحواري الذي أقامته جمعية العلوم الاقتصادية فرع اللاذقية، أهمية عودة الدولة عبر الحكومة التنفيذية لإدارة العملية الاقتصادية وفق خطط تعتمد على الكفاءات والإمكانات الموجودة حالياً، والابتعاد عن النهج الذي انقلبت فيه حكومة العطري على البنى السابقة للمؤتمر العاشر بشكل قتل القطاع العام وأقحم بعض المتنفذين على حسابه وعطّل المؤسسات الخدمية بأنواعها، التعليمية والصحية وغيرها، لتجبر المواطن على التعامل مع مؤسسات وشركات كان القطاع العام فاعلاً بها، وعدم استطاعة القادمين الجدد على المنافسة بوجود مؤسسات القطاع العام.

وركز المشاركون على أهمية وجود قوة ضابطة حازمة حاسمة تطبق القوانين على الجميع، وتسير وفق برنامج إصلاحي لخدمة الوطن والمواطن. وقد حفلت الندوة التي كانت بعنوان (إعادة البناء الاقتصادي الاجتماعي) بنقاشات حامية وفق حرية مطلقة مثلما تعود المشاركون على نهج الجمعية من خلال الملتقيات السابقة.  وقد بدأ الدكتور سنان علي ديب الحديث بكل الشكر والفخر بالوعي الوطني والمحبة والأخوّة التي تحلى بها السوريون فاستطاعوا استيعاب الدماء وإحباط المخططات الرامية إلى بث سموم الفتنة والتفرقة. وقال: 

الرهان على شعب سورية قوي لتجاوز الخسائر الكارثية التي ألمت بسورية شعباً وحجراً، مع العلم بأن أساس التنمية الإنسان وغايتها إيصاله إلى أعلى مستوى من الرفاهية، وما ألمّ به من فقر وجوع وقتل وتنكير وتهجير يعد كارثة إنسانية شاركت فيها قوى الغرب المدعية الديمقراطية وحقوق الانسان وهي الأبعد عنها، كيف لا وقد نزح نحو 7 ملايين مواطن سوري، وهجّر أكثر من 4 ملايين إنسان سوري سلبت طاقاته وجهوده ووضع بأسوأ ظروف، فآخر هجرة إلى ألمانيا فقط كان من يحمل شهادة ماجستير وما فوق 4 آلاف شخص، إضافة إلى مئات الآلاف من الأيتام، ونحو مليون من المعاقين جسدياً ونفسياً ووضع نحو 90% من الشعب السوري تحت خط الفقر وأكثر من نصفه بالبطالة، وتسرب مئات الآلاف من المدارس التي خرّب منها نحو 3 آلاف مدرسة، ونحو مليون ونصف مليون منزل ما بين هدم نهائي وجزئي، وخسائر قطاع الصناعة بقيمة نحو 949 مليار ليرة سورية ونحو 541 مليار ليرة في القطاع الخاص.

ثم تكلم السيد عبد الرزاق الدرجي مؤكداً أن إعادة البناء والإعمار قضية أساسية تواجه شعبنا، وهي عملية معقدة تتطلب أولاً مكافحة الإرهاب، وثانياً التوجه بشكل رئيسي نحو جملة من القوانين التي تراعي مصالح الفئات الشعبية، وثالثاً تتطلب التركيز على موضوع المصالحات الوطنية والاهتمام بالمهجرين، ورابعاً التوجه لعقد مؤتمر وطني شامل يضع أولويات إعادة تأهيل الصناعة والزراعة وتطوير القطاع العام الصناعي والوقوف في وجه الخصخصة. ومن المهم تغيير النهج الاقتصادي اللبرالي الذي دمر البلد، لأن ازدياد الفقر يشكل البيئة الحاضنة للإرهاب، وهو ما أقدمت على الاستفادة منه واستغلاله القوى المعادية لسورية، فغاية واشنطن وحلفائها الإقليميين الحاقدين من الحرب والعقوبات الاقتصادية هي إركاع بلدنا وتدمير بنيتنا وإفقار شعبنا الذي يتحمل تبعات الحصار.

وقال إن الحرب ظاهرة ملازمة للعولمة الأمريكية تهدف أولاً إلى تأمين المواد الأولية للدول الاستعمارية، وهذه القاعدة لم تتغير بعد، كما تحدث عن الهجرة والمعاناة التي تواجه السوريين في الخارج، وافتقار البلد إلى عنصر الشباب. وأشار إلى ضرورة معالجة الأمراض الغريبة التي ليست من طبيعة أبناء شعبنا، كالقتل والسرقة والخطف..الخ وتحدث عن الشعور الوطني الذي تمتعت به جماهير شعبنا هنا في الساحل الذي يحتضن المهجرين من كل المحافظات السورية، وقد تعزّز بعد التفجيرات الإرهابية الأخيرة في طرطوس وجبلة التي كانت تهدف لبث الفتنة.

السيد عيسى غدير تحدث عن دور أخلاقيات الدين في بناء الإنسان وعن الفجوة الكبيرة بين محتوى الأديان وما نراه من سلوك من رجالات يدّعون حمايته ويعملون بما يخالفه ويقزمه ويؤدي للكوارث الإنسانية ويحطم القيم، مما أدى للفوضى، وإن أصول الدين والسلف لم تكن مثلما نراه، وإن روح الأديان مواكبة التطورات المعاصرة بما يحفظ القيم والأخلاق.

 ثم تكلمت السيدة مانيا رويحة عن ضرورة وجود قوة حاسمة حازمة لفرض الانضباطية اللازمة إعادة البناء والإعمار وفرض القانون ومحاصرة الفساد الفتاك وأدواته المافيوية.

وتكلم السيد حكمات جراد عن عدم تطور المنظومة التعليمية بما يراعي المآسي الإنسانية ويعيد لهذه المؤسسات دورها في التسعينيات وما قبلها في إنشاء وتهيئة كوادر متميزة كانت الأساس والركيزة للتنمية التي وصلت إليها سورية قبل الانقلاب الجذري لحكومة الدردري.

أما السيد نديم شامدين فشدد على دولة المؤسسات والقانون، فالفوضى دمرتنا والفساد فتك بنا، وتكلم السيد وهيب دليلة عن دور الدين، وأن فصل الدين عن السلطة ضرورة حتمية. وشددت الآنسة عروبة الخير عن أهمية بناء الانسان الذي هو أساس أي اصلاح أو إعادة بناء، وعن الدور السلبي الذي لعبته الدراما السورية الموجهة في تشويه سمعة السوريين وفي تضليل الوعي وزرع عدم الثقة بالنفوس.

ثم تكلم السيد نهاد بدور عن ضرورة الوصول إلى بيئة أمنية ناظمة موجهة ضد الفساد ومحاصرته ومواجهة تجار الأزمة معرقلي أي توجه وطني، ولا يمكن الوصول إليها من دون تعاون الجميع. وتكلمت الكاتبة معينة عبود عن أهمية التربية وخاصة المراحل الأولى في إعادة المحبة وزرع الثقة والوطنية بدلاً من الحقد والكره والتعصب، وضرورة تفعيل اللقاءات الوطنية بين مختلف أنماط الشعب السوري. وتكلم الدكتور صالح الحكيم عن ضرورة الانطلاق من الذات الشخصية للوصول إلى نهج عام، وعن ضرورة إعادة الدور للأسرة كنواة للبناء الاجتماعي.

اما السيد نزير الحسن فقد تكلم عن أهمية الاعتماد على كفاءات مناسبة بعيداً عن المحسوبيات اللا وطنية. وكان الدكتور هيثم طالب قد تكلم عن ضرورة وجود ثوابت ضابطة لانطلاقة بناءة واعية أساسها دولة المؤسسات القوية.

 وختم الدكتور سنان الندوة قائلاً إن توفر الإرادة الجادة والنوايا الصادقة كفيل بدفع عملية إعادة البناء والاعمار وفق خطط تتجاوز الأخطاء السابقة والانقياد لأسلوب الصدمة الذي هشم البنى وفق سياسات شخصانية حطمت ما بنيناه من اقتصاد وثقافة واجتماع، وساهمت في مزيد من التفريغ السياسي، وكلنا فخر بالإنجازات الاقتصادية البنيوية العميقة التي حافظت على بلدنا وزادت صمودنا وعرقلت الخطط الدردرية المرتبطة بالبنك الدولي وأدوات العولمة المافيوية، وكلنا ثقة بالمؤسسات التي يجب أن يعاد لها الدور الحقيقي البناء في اختيار الكفاءات القادرة على النهوض والبناء وفق مبادىء تقنية وكفاءات محتاجة، وإن الإمكانات الحالية وأموال الشرفاء من القطاع الخاص وأموال المغتربين الذين أغلبهم نام بالعسل ونسي آلام البلد كفيلة بإعادة الروح الشابة لبلادنا الجريحة، إضافة إلى التعاون مع الدول التي لا تهدف لزعزعة الاستقرار وسلب السيادة.

العدد 1105 - 01/5/2024