برلمانيون طالبوا بمكاسب تحت نيران أسعار المحروقات

هل ذهب الجزائري وإسماعيل مشياً إلى البرلمان؟

 لم يخسر أعضاء مجلس الشعب قضيةَ أسعار المحروقات، لكنهم في الوقت عينه، لم يربحوها. استطاع هؤلاء تحريك المياه الراكدة تحت قبة المجلس، وبدؤوا دورهم التشريعي، بزخم لافت، إذ منحتهم الحكومة المستقيلة فرصة ثمينة، لرفع سقف مطالبهم، والتركيز على أمنيات الشعب المظلوم مرتين: من الحرب، ومن الإجراءات الحكومية. وظهر اتجاهان في المجلس: الأول يحابي الحكومة في قرارها، والثاني وهو الذي يمثل الأكثرية رافض للقرار، إضافة إلى وجود قلة من الأعضاء الذين لا تهمهم مناقشة هذه الموضوعات. حاول الأعضاء تحويل القضية إلى قضية رأي عام، تمتلك كل المقومات التي تدفع بها إلى الواجهة، كما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً في تفعيلها، وتسخين الموقف المناهض لها، لتكون قضية وطنية بامتياز.

 وحاولت قوى برلمانية، مدفوعة من الحكومة على الأرجح، حرف النقاش في مجلس الشعب عن مساره، وطرحت من حيث الشكل قانونية القرار، ومدى صلاحية حكومة تسيير الأعمال في اتخاذه. هذا هو النقاش السفسطائي، الذي بلا طائل، وتتبعه الحكومة لكسب الوقت، وتمييع القضايا الجوهرية.

لا يسمح الدستور لحكومة تسيير الأعمال اتخاذ قرار مصيري كهذا، ولكن هذا لا يعني أن الحكومة القادمة يحق لها اتخاذ قرارات لا تقل خطورة عن هذا القرار. ولنفترض أن القرار ألغي بحكم عدم صلاحية حكومة تسيير الأعمال، فهل نوافق عليه لو أن الحكومة الجديدة ستتخذه؟ حتماً لا، القضية ليست بقانونية القرار، ومن هي الجهة صاحبة الصلاحية في اتخاذه، هذا شأن شكلي، لا يهمنا إطلاقاً، بل نبحث في صلب القرار، وأن تجيب الحكومة عن أسئلة الشارع، والنواب، والقوى السياسية والشعبية، حول انعكاساته على الاقتصاد؟ …

لا نعتقد أن متضرراً سيقف ضده في حال اقتنع بضرورته المرحلية.  والواضح تماماً، أنه في الوقت الذي كانت كرة الثلج تتدحرج من مناقشة القرار ومخاطره، كانت الحكومة تخلد إلى النوم، و لا يظهر على سيماء الوزراء المعنيين بالدفاع عنه أي قلق أو توتر، ولم يصدر عنهم أي موقف يتضامن مع المتضررين، ولم يعتذر واحد منهم عن هذا القرار بصفته قراراً ضرورياً لا بد منه. كانوا يدافعون عن القرار بتأكيدات أنه لا رجعة عنه، ولم يك لديهم رغبة في قول الحقيقة المريرة، التي يتكتمون عليها. على الضفة الثانية، وفي  الوقت الذي كانت فيه كرة اللهب مشتعلة، وصدور الناس مملوءة بالغيض، كان عدد من أعضاء مجلس الشعب يطالبون مجلس الوزراء بتخصيص الجمعية السكنية لأعضاء المجلس بأرض، وإعفائهم من كل الرسوم والضرائب على السيارة التي يحق لهم استيرادها، وأشياء تخص الأعضاء فقط.

لم يجفّ حبر قرار أودى بطبقة اجتماعية، وبعض أعضاء المجلس يبحثون عن مكاسبهم ومصالحهم الضيقة، هذا الانحناء يجعل الحكومة أكثر ارتياحاً، وتغرب بوجهها عن التحدي الكبير الذي كان ينتظرها في المجلس. وكان ثمة أسئلة جوهرية لم تُسأل: هل ذهب وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية همام الجزائري إلى مجلس الشعب مشياً على قدميه، أم بسيارة يدفع بنزينها الشعب؟ علماً أن المسافة بين مبنيي المجلس والوزارة المذكورة أقل من 200 متر؟ وكذا بالنسبة لوزير المال إسماعيل إسماعيل؟ فالذهاب مشياً، يؤكد الحرص على وقف الهدر، ويدل في أحد جوانبه على أحقية الحكومة بقرارها، أما الذهاب بالسيارة، فإنه يُفند مزاعم الجزائري واسماعيل، ويكشف المستور الذي يتلطى خلفه مؤيدو القرار. وهل كان هذا الخيار الوحيد أمام الحكومة؟ ومن باب الشفافية كان مفترضاً بها لنصدقها أن تخاطبنا بالأرقام وتقنعنا بالمعلومات؟

قضية المحروقات في سورية، لا تتعلق بنهج حكومي فقط، وقرار رفع أسعارها الذي يلصق برقبة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، تشترك في صنعه مراكز القرار، والجهات صاحبة الصلاحية العليا. لذلك لا تعير الحكومة بالاً، للمطالبات التي شددت على ضرورة التراجع عن هذا القرار، ولم تنتبه للاعتصام الذي نفذته بعض القوى المجتمعية أمام مجلس الشعب. كما أن مشكلة حكوماتنا باعتقادها أنها تمتلك الصواب، لا ترى في عملها أو أدائها أي خطأ، تنظر دائماً على أنها تقدم الأفضل، ولا تلتفت إلى ردود الأفعال، والانعكاسات السلبية التي تترتب على إجراءاتها.

لهذا كانت ردود وزرائها في مجلس الشعب بسيطة، وخالية من الإقناع، وتفتقر إلى الفكر الاقتصادي. إذ إنهم ساقوا حججاً مكرورة، وقدموا آراء غير مقنعة، ما يعّمق أزمة الثقة مع المواطن. و بحدود معرفتي المتواضعة، لم تتراجع الحكومة يوماً عن قرار لها، ولم تكسب فضيلة التراجع عن الخطأ، وإذا فعلاً تراجعت هذه المرة بسبب ضغوط أعضاء مجلس الشعب، أو غيرها، فنكون أمام مرحلة جديدة من العمل الحكومي، تتعزز فيها المؤسساتية، وتبنى الثقة مع المواطن. لكن في أول الاختبارات التي خاضها الأعضاء الجدد، مع الحكومة السابقة، تبين أن ممثلينا في المجلس تنقصهم الأدوات والوسائل للدفاع عن القضايا الجوهرية. وبالمحصلة نجحت الحكومة، ولم يخسر الأعضاء، وسدد المواطنون الفاتورة.

العدد 1104 - 24/4/2024