حول مشروع المبادئ الأساسية لدستور سوري

 لا شك في أنّ مهمة الدستور أن يؤمّن ويحقق مصالح المواطن العادلة في توزيع الخيرات والثروات المادية والمعنوية في منح الحقوق والواجبات، وفي المساواة بين المواطنين، دون النظر إليه على أساس انتماءاتهم السياسية والاجتماعية، وفي العمل على تنظيم أجهزة الدولة والمجتمع على المستويات والأصعدة كافة… إلخ.

لكن يجب أن نعرف جيداً أن هذا الدستور سيخدم طبقة اجتماعية محددة سلفاً.

الدستور إما أن يخدم الطبقات والفئات الظالمة، أو الطبقات والفئات المظلومة في الدولة والمج

إذاً، لا يوجد دستور حيادي وسطي، ومن المستحيل للدستور أن يساوي بين الظالم والمظلوم.

الصراع الطبقي قائم منذ أواخر مرحلة تشكيلة المشاعية البدائية، حتى يومنا هذا، والصراع الطبقي تناحري، وهو لم ولن يقف وينتهي إلا بالقضاء على إحدى الطبقتين المتناحرتين، وبذلك تضمحل الدولة، لأن الدولة هي نتاج هذا الصراع الطبقي المستعصي بين الطبقات المتناحرة.

لكن، نحن أبناء اليوم، محكومون بوضع دستور يلبي طلبات مواطني بلادنا ورغباتهم. إن غالبية أي بلد هم طبقة الجماهير الشعبية الكادحة، من عمال وفلاحين وصغار كسبة وكل الكادحين، أي هم الطبقات المظلومة، أي يجب أن يلبي مصالح المظلومين وأهدافهم، لأنهم هم الذين بحاجة إلى من يدافع عنهم، بينما الطبقات الظالمة لديهم إمكانيات ذاتية كافية للدفاع والحماية، إذا لا يرغبون الغنى الفاحش والبطش، أي نريد دستوراً يلبي طلبات المظلومين ورغباتهم ليحميهم من الظالمين.

إذاً، نحن أمام مهمة صعبة جداً، فالصراع الطبقي على أشدّه في البلاد، والحرب العالمية القذرة على وطننا الحبيب متواصلة، وفي الداخل السوري الطبقات البرجوازية (الظالمة) جادة في عملها في السلب والنهب والبطش دون رادع، ضد مصالح الكادحين (المظلومين)، وقضاياهم، فتجار الحروب والأزمات وأجهزة الفساد والمفسدين في الدولة والمجتمع يعملون علناً دون أن يحسبوا حسابا لأحد، بسبب انشغال البلاد في الحرب الدائرة منذ أكثر من ست سنوات، ويعملون علناً في التدمير والتخريب بل والقتل في الوطن السوري، خدمة لمصالحهم الطبقية الجشعة. إن الطبقات البرجوازية يريدون الآن قوننة أعمالهم عن طريق دستور يخدم مبادئهم وأهدافهم. أما من الجهة الأخرى فالعدو الخارجي متمثلاً بالتحالف الإمبريالي يساعد الطبقات البرجوازية عن طريق الحصار الاقتصادي، إلى جانب دعم المجموعات الإرهابية المسلحة.

قدم الحزب الشيوعي السوري الموحد ورقة عمل موضوعية جيدة وغنية يمكن الاعتماد عليها للوصول إلى دستور جيد لصالح الكادحين المظلومين، لكن هنا وجدت نفسي مندفعاً إلى أن أقدم وأبدي بعض الملاحظات المتواضعة، بل رؤية عمالية، حول هذا المشروع الهام، وخاصة في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ وطننا الحبيب:

1- الموقف من الدين: إن فصل الدين عن الدولة والمدرسة أضحى ضرورة هامة، بعد أحداث 1980 والأحداث الحالية، خاصة أن دور الدين سلبي في حياة البلاد.

2- محاربة كل أشكال التمييز والتعصّب الديني والقومي والطائفي والمذهبي والاثني والعشائري والحزبي.

3- التنوع الثقافي: هل القوميات والأديان ثقافة فقط؟ طبعاً كلا، إنها سورية التاريخ والحاضر والمستقبل، بحاجة ماسة إلى الروافد والينابيع كافة، دون نفي أو إقصاء لأحد، لأن الوطن لكل أبناءه دون استثناء، طبعاً بعيداً عن الكانتونات، وعن كل الأنواع والأشكال التي تؤدي إلى تقسيم البلاد، إن قوة الدول والأوطان هي في وحدتها الوطنية والديمقراطية والإنسانية.

4- دستور عصري: ضرورة إدخال مقولات ومفاهيم عصرية حديثة كالهوية والمواطنة والمساواة والتآخي والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والسلام والحريات العامة.

5- المساواة: المساواة بين المواطنين، والمساواة بين الرجل والمرأة تتطلب تعديلات جريئة في القوانين كقانون الأحوال الشخصية والوراثة والمحاكم وتعدد الزوجات وإشغال المناصب والمواقع في الدولة والمجتمع… إلخ.

6- القوانين: الإسراع في إصدار مختلف القوانين الضرورية والعصرية، كقانون الأحزاب والجمعيات والنوادي، وقانون العمل والتأمينات، والنقابات، والاتحادات والمهن، وقانون الصحافة والإعلام والنشر والمطبوعات وقانون المعلومات.

7- النظام الجمهوري والبرلماني: يجب تبيان وجهه الوطني والطبقي بشكل واضح وصريح في الدستور، وذلك بعيداً عن الالتباس والغموض والتلاعب، وبشكل خاص في المبادئ والأهداف الأساسية.

8- الجيش السوري: ابتعاد الجيش السوري عن الولاءات السياسية والاجتماعية، الجيش هو حماة الديار (وطن، شرف، إخلاص)، والخدمة في الجيش واجب وطني مقدس لا يجوز التنازل عنه بإعفاء أي أحد من أبناء الوطن من الخدمة الإلزامية.. الخدمة الإلزامية في الجيش السوري شرط من الشروط الأساسية لإثبات وطنية المواطن، وباب التطوع في الجيش السوري مفتوح أمام جميع أبناء هذا الوطن.

9- الشهداء: الاهتمام بذوي الشهداء مادياً ومعنوياً، وبسبب العدد الكبير من الشهداء يجب إحداث وزارة خاصة بهم.

10- الحريات العامة: يجب إقرار حرية المعتقد وحرية الإلحاد وحرية الإيمان وعدمه إلى جانب الحريات العامة.

11-اللغة الرسمية في الدولة: اللغة العربية هي اللغة الرسمية في الدولة، والسماح باستعمال اللغات المحلية، إلى جانب اللغة العربية الرسمية.

12- الثقافة والفنون والعادات والتقاليد: الثقافة هي مجموعة الثقافات الموجودة في مجتمعنا السوري كما الفنون والعادات والتقاليد والفلكلور الشعبي، مع إيجاد آلية وسبل وأدوات فاعلة للاحتكاك بين مختلف هذه الفعاليات المجتمعية المتنوعة دون إقصاء لأحد، وذلك لأجل تمتين الروابط وأواصر الصداقة والتآخي بين أبناء الوطن الواحد، على أساس المحبة والمساواة والتآخي والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والسلام والتنوع والتقدم الاجتماعي.

13- العدالة الاجتماعية: تكافؤ الفرص لكل أبناء الوطن، وبشكل خاص للشباب، الناس سواسية أمام القانون في الواجبات والحقوق.

14- مبادئ اقتصادية: إبراز دور العمال والفلاحين وكل المنتجين وصغار الكسبة والمثقفين في جسم الاقتصاد الوطني، الاهتمام بالعلم والبحث العلمي، الاهتمام بالأمن الغذائي والمائي والمحروقات والطاقة.

15- مبادئ سياسية: ما هي توجهات البلاد السياسية من حيث المبادئ والأهداف والشعارات والأناشيد الوطنية؟

– ضرورة إعادة النشاط والنضال السياسي والفكري والاجتماعي إلى الدولة والمجتمع.

– محاربة الجهل عن طريق الاهتمام بالعلم والبحث العلمي بدءاً من التربية والتعليم من مراحلها الأولى.

– الاهتمام بجيل الشباب والمرأة منذ الطفولة، والتربية والتعليم وتكافؤ الفرص.

16- قانون الملكية: السماح للمواطنين بالتملّك في كل أنحاء البلاد دون تمييز ولا تفرقة.

17- رئيس الجمهورية: هو رئيس منتخب من الشعب السوري، لذلك هو رئيس لكل مواطني المجتمع السوري دون استثناء.

18- البلدات والمجالس والمحافظات: إن نظام المجالس الإدارية المتبع حالياً نظام جيد ومتقدم إذا اعتمد عليه من حيث حسن الأداء والتنفيذ والممارسة في الواقع.. وهو يلبي طلبات ورغبات بعض المكونات المجتمعية في بلادنا (بسبب التنوع القومي والإثني).

1- الانتماء الاجتماعي: هذا الانتماء فطري يأتي بالوراثة، أي ليس لإرادة المرء دور فيه، ولذلك يجب عدم التعامل مع المواطن على أساس الانتماء الاجتماعي وخصوصاً في أجهزة الدولة والمجتمع، أي المهم في الإنسان هو بما يعمل ويقدم من خدمات لصالح الدولة والمجتمع في الوطن السوري.

20- إننا نريد سورية (وطناً حراً وشعباً سعيداً) حرة أبية وعزيزة وعلمانية وديمقراطية ومزدهرة.

العدد 1104 - 24/4/2024