التنمية وفرص العمل

مع بدء انحسار الأزمة السورية، وزيادة التوقعات باقتراب الحلول، تعلقت عيون السوريين بآمال انفراج الأمور المعيشية وتحسنها، وعلى وجه التحديد، بعد حديث رئيس الحكومة عن التنمية الحقيقية التي تُطوّر واقع الإنتاج، وتؤمّن فرص عمل، وتحسّن القوة الشرائية، بهدف رفع سويّة واقع معيشة المواطنين. فالحرب على سورية أفقدت الكثيرين مأواهم، وأبواب رزقهم، مما سبب ارتفاعاً كبيراً بنسبة البطالة، وزيادة معدلات الفقر، تبعاً للتهجير، وخسارة المورد المادي، وأهمها فقدان المعيل. لذلك اعتمدت غالبية الفئات الفقيرة والمتوسطة على المساعدات المقدمة من المنظمات الإغاثية. وعلى هذا، إن كان حقاً هناك نية للبدء سريعاً بخطوات التنمية، فمن الأفضل أن تشمل شتى مجالات التنمية، وأهمها التنمية الاقتصادية، لأنها السبيل لاستقرار الأوضاع المعيشية والاجتماعية في البلد، بالتوازي مع التنمية البشرية، للوصول إلى التنمية المستدامة ما بعد انتهاء الحرب.

كانت تبعات الحرب على الاقتصاد كارثية، فالعديد من المصانع نُهبت، ودُمّرت، كما أُقفلت مئات الشركات، وتوقفت الاستثمارات الكبيرة منها والمتوسطة، أما الصغيرة فقد سُحقت تماماً، ولم تُكتب لها النجاة. واليوم، مع الخطوات التي تتخذها الحكومة في سبيل استقرار الأسواق، ورفع القيمة الشرائية للعملة السورية، أصبح هناك مساحة كافية للبدء بمشاريع صغيرة ومتوسطة، تشكّل اللبنة الأولى للنهوض باقتصاد البلد من جديد، فعن طريق هذه المشاريع ستؤمَّن فرص عمل للكثير من الشباب، الذين يمثلون الطرف الرئيسي من معادلة إنعاش الاقتصاد السوري، فاستثمار طاقات الشباب وقدراتهم وتوظيفها بالشكل الأمثل، يفتح أبواب التطور والإبداع، وبالتالي يؤمّن الدخل الكافي لتوفير المستلزمات المعيشية اللازمة، في هذه الفترة القاسية على المواطنين. لذلك يأمل الكثير من المهتمين بإنشاء مشاريع صغيرة، تشجيع الاستثمار في سورية، عن طريق سن تشريعات جديدة تسهّل العمل للحرفيين والصناعيين، وتسهيل عملية منح التراخيص الصناعية لهم، فقد عبّر بعضهم عن رغبتهم في الاستثمار، ولكن يطالبون بتخفيف طلبات التراخيص ومساعدتهم، عبر دعم استثماراتهم، ووضع حدٍّ لغلاء المواد الأولية اللازمة لأغلب الصناعات والحرف، فللمشاريع الصغيرة دور كبير في عملية التنمية عبر إنعاشها الاقتصاد في المرحلة الحالية، والتي تلي انتهاء الحرب.

وللنهوض بمتطلبات هذا القطاع، لا يوجد طريق سوى تفعيل دور المؤسسات المحلية القادرة على تمويل المشاريع الصغيرة ودعمها، عبر رسم خطط ووضع برامج مناسبة تلبي حاجات المستثمرين، والعمل على تنفيذ هذه البرامج بشكل مباشر داخل المناطق المحررة والآمنة، وطبعاً هذا لا ييسّر الأمور أمام العاطلين عن العمل فقط، بل يرصف السبل لاكتساب العلم والمعرفة، واستخدام هذه القدرات الإنتاجية وتوظيفها في العمل المنتج، فعندما نردم الفجوة بين المعرفة والإنتاج، نكون قد ضاعفنا القدرة الإنتاجية، ورفعنا فرص التنمية، وعندما نتيح فرص عمل للشباب تتيح لهم إظهار مواهبهم وإمكاناتهم، والاستفادة من معرفتهم العلمية المصقولة بالعمل الحثيث، عندئذٍ نستطيع أن نعول عليهم بمهمة النهوض بالبلاد وتطويرها، فهم وحدهم من يملكون الأمل والجلد لنفض غبار الحرب، وإعادة الإعمار، لتطوير الحياة في سورية بشكل كامل، لذلك علينا وضع استراتيجية عامة للتنمية الشاملة، وتأكيد أهمية دور الدولة في هذه الاستراتيجية، بهدف تعزيز أسس الاقتصاد، وإشراك مؤسسات وهيئات المجتمع المدني، بالتوازي مع رسم خطط تشغيل الشباب، للقضاء على البطالة والفقر، والعمل على التخلص من الجهل والأمية، اللذين تسببت بهما الحرب، والسعي للنهوض المعرفي ودعم التعليم في كل مراحله، وتشجيع البحث العلمي مع الحفاظ على الثقافة الوطنية وحمايتها.

فالتنمية الشاملة هي أمل بلادنا للخروج من سواد الحرب، وتهيئة الحياة الحرة الكريمة لمواطنينا، التي تعوضهم عن سنوات الجمر السبع.

العدد 1105 - 01/5/2024