فرنسا المنقسمة في مواجهة روسيا

 ما يزال اليسار الفرنسي كما اليمين منقسمين بكل ما للكلمة من معنى حول شكل وطبيعة علاقات التواصل مع روسيا ومع رئيسها فلاديمير وتين. فمن الواضح أنه لا يمكن تجاهل أن روسيا فرضت عودتها إلى المسرح الدولي بأداءٍ سياسي مخالف لما يؤديه العالم المتمثّل بالمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. كثيرون هم السّياسيون الفرنسيون الذين تناولوا الموضوع الروسي.. وكان هناك الكثير من الجوانب الصائبة في طروحاتهم التي كان الهدف منها انتخابياً.

وعلى رأس التيار اليميني في فرنسا المرشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية فرنسوا فيّون الذي أدلى بدلوه في الموضوع الروسي مبدياً أمنيته في أن تقوم روسيا بمسؤولياتها دون أن يحدّد بوضوح ماهيتها.وقد عبّر فيون عن ذلك قائلاً: إن روسيا أكبر بلد في العالم من حيث المساحة، إلا أنها دولة خطرة وغير مستقرة لأنها لم تعرف يوماً الديمقراطية.وهنا من الواجب طرح سؤال دون أن يكون الهدف منه الدّفاع عن روسيا وهو التّالي: هل البلدان التي عرفت الديمقراطية كالولايات المتحدة أو حتى فرنسا هي أقل خطراً مثلاً؟ ألا يعيش العالم، بسبب بعض الديمقراطيات الغربية، حالة مرعبة من سفك للدماء وإزهاق لأرواح بريئة واستعار لنيران الحروب؟ ألم يحن الوقت لإعادة تعريف مفهوم الديمقراطية؟

أمّا مرشّح حزب الوسط للانتخابات الرئاسية جان- فريديريك واسون الذي شارك في المناظرات الخاصة باليمين فقد خالف جميع المرشحين عندما غادر إلى روسيا ملتقياً رئيسها وتين وما تيسر له من شعبها.. بينما لم يتردّد السيّد برونو لومِر بالتأكيد أن فرنسا أضحى دورها مكمّلاً للولايات المتّحدة فاقدة بذلك استقلالها أمام الولايات المتحدة، لا بل حتى أنها تبعاً للحالة التي هي عليها اليوم فقد فقدت سيادتها.

وكذلك فقد بدا واضحاً أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أصبح من مناصري الروس خصوصاً بعد عودته إلى العمل في الشأن السياسي العام، وأيضاً على إثر اجتماعه في موسكو بالرئيس الروسي في تشرين الأول من عام 2015. ومن المشاركين أيضاً في مناظرات اليمين لانتخابات الرئاسة الفرنسية جان فرنسوا كوّي الذي قال بأن ميثاق الثقة مع روسيا تم تمزيقه بُعَيدَ تدخّل فرنسا في ليبيا فقد تضاعفت نتائجه السلبية بمجيء هولاند رئيساً على إثر أدائه السياسي في علاقاته مع روسيا، الأمر الذي صلّب في مكانٍ ما من موقف روسيا تجاه مجريات الأحداث في سورية.

فيما لم يتردّد آلان جويه في انتقاد البعض من الفرنسيين ممن يحبون روسيا. ويقتصر فهمه للعلاقات مع روسيا على معاقبتها بالمزيد من العقوبات الاقتصادية. وهو الأمر الذي يبدو قد فات أوانه حالياً وصار غير ذي فعالية، إذ إن العقوبات الاقتصادية السابقة لم تمنع صعود نجم روسيا.

إنّ موقف آلان جويه يتماثل في بعضٍ من جوانبه مع موقف الرئيس الفرنسي الحالي فرنسوا هولاند ويتماثل أيضاً في بعضه الآخر مع اليسار الاشتراكي. وفيما الرئيس الفرنسي يعادي بشراسة الرئيس وتين، فقد وصل به الأمر إلى تجاوز الأعراف البروتوكولية لدرجة امتناعه مؤخرا عن استقبال نظيره الروسي في فرنسا.. الحدث جرى تداوله في محاضر السّجلّات الدبلوماسية على أنه الأول من نوعه في العلاقات الفرنسية- الروسية. وهذه السّياسة المضادة لروسيا ليست في مصلحة فرنسا ولا في مصلحة الشعب الفرنسي إلا أنها تبدو الشغل الشاغل للمرشحين للرئاسة من كلا طرفي اليسار واليمين..

أخيراً.. يبدو أن الرئيس الفرنسي هولاند وخلال الفترة المتبقية له من ولايته؛ يغرق فرنسا في حربٍ باردة مع روسيا.. وحتى اليسار الفرنسي لم ينجُ من انقساماته حول العلاقات مع روسيا.. بعض اليساريين كالسيّد جان لوك ميلانشون يميلون إلى روسيا في سعيهم لمعارضة الهيمنة الأمريكية على فرنسا وأورا. فيما غيره كوزير الخارجية السابق هوبير يديرين أو وزير الدفاع السابق جان يير شو؟ينمان لديهم رؤى مغايرة للعلاقات الدّولية.. فهم يعارضون أي شكل من أشكال معارضة روسيا أو أية قطيعة كاملة معها.

وفي المجمل؛ تبدو الطّبقة السياسية الفرنسية مستعدة لحوار مع روسيا إلا أن هذا الأمر ينقصه الصدق.. إن كل المرشّحين للرئاسة في فرنسا يسعون بادعائهم مصلحة فرنسا للتّقارب من روسيا فيما الحقيقة تكمن في أهداف أخرى جلّها انتخابية.. غير أنّ المرشّحين للرئاسة الفرنسية من كلا الطّرفين في اليسار واليمين وفي معرض إثارتهم المستمر للموضوع الروسي قد يدلّ في أحد أوجهه على محاولتهم ألا يجبروا على توضيح مجمل اصطفافات فرنسا في السياسة الخارجية الدولية..

أمّا بالنسبة لليمين المتطرّف فهو يعتبر الرئيس وتين خير مجسّد للسلطة والقائد السّياسي القادر على اجتثاث الإرهاب الذي يعبث اليوم فساداً في كل العالم.. ومن جهتهم يبدو أنّ الديغوليين شغوفين بمفهوم الوطن الذي طوّره الرئيس فلاديمير بوتين. مما لا شك فيه أن فرنسا انحازت واتكأت دون قيد أو شرط على تبعية شبه تامة للسياسة الأمريكية الخارجية على حساب مصالحها في علاقاتها مع روسيا.. إن الفشل المستمر والمزمن للسياسة الفرنسية دفعت البلدين للابتعاد عن الآخر، الأمر الذي أضر بمصالح فرنسا وبمصالح الشعب الفرنسي الذي يكثر السياسيون الفرنسيون من التغنّي بمحبتهم له.

بقلم: انطوان شاربانتييه 

العدد 1105 - 01/5/2024