رأس السنة الذي فجّره السذّج وأشباه الرجال

أن يكون الإنسان فارغاً من معاني القوة والالتزام هذا يعني أن يكون ساذجاً وضحل التفكير، فيشرع سلاحه كي يحتفل ويحزن ويرقص ويعربد وهو يضغط على الزناد، ويضرب السحاب برصاص لن يحرض المطر بل الغضب والموت. وأن يكون الرجل تفكيره محصوراً بحب الظهور، وأن تطفو عقده النفسية فتظهر على شكل إصبع جبان من وراء الزناد، فيطلق النار في كل مناسبة، ويؤذي الآخرين بطيشه قبل رصاصه، فهو حتماً لن يصنّف إلا من فئة أشباه الرجال.

ما إن أطل رأس السنة لهذا العام حتى فجّره السذّج وحطّموه برعونتهم وقلة إدراكهم، والأهم هو تغاضي الجهات المسؤولة عنهم، وعن تجاهلهم لمناشدات وزارة الداخلية بالامتناع عن إطلاق الرصاص. لقد هلّ رأس السنة حزيناً، فبدل أن يكون مناسبة لطي صفحة الماضي والتفاؤل بأيام قادمة تحملها السنة الجديدة، أضحى لحظات من خوف وترقب وحذر وابتعاد عن الشرفات وخوف من الخروج من المنازل، والسبب كل السبب هو تلك الفئة التي أصبحت قوة لا يستهان بها، وهي ترى في إطلاق النار إبرازاً لرجولة مختبئة وحبيسة داخل الفكر الضحل، ومن صغر عقله خفّت أفعاله وكثرت أقواله، وإنما الرجولة أفعال حميدة وليست إصبعاً جباناً وراء الزناد يضرب الرصاص من على الشرفات باتجاه السماء وليس باتجاه الخونة والأعداء.

إن هذه الفئة من الشباب ممن هم أشباه الرجال يطلقون النار في كل المناسبات، ودونما مراعاة لمن حولهم، فقد تحولت الأفراح والأحزان وتشييع الشهداء وحتى بعد مباريات كرة القدم إلى جبهات يطلق فيها النار بشكل عشوائي دونما حسيب أو رقيب أو رادع. وكم سمعنا بحالات قُتل أو جرح فيها أشخاص أثناء إطلاق النار العشوائي من قبل المبتهجين بإطلاق الرصاص، أو ممن يشيعون الشهداء والموتى!

في كل دول العالم المتقدم هنالك حرمة للموت، فالخشوع والصلوات هما ما يميزان الجنازات، إلا في سورية فالرصاص هو سيد الموقف، ومن يطلق الرصاص أكثر فهو أشد حزناً من غيره على الفقيد. وأهل الشهيد لربما يتباهون بغزارة إطلاق الرصاص حزناً على فقيدهم، فمن أين أتت هذه الثقافة؟ لا أحد يعرف. ولكن نعتقد أن حب الظهور والتبجح بالقوة هما ما يطغيان على نفوس من يطلقون الرصاص. فالأمر إذاً مردّه إلى علة نفسية في قلب وروح من يشرع بندقيته في السماء.

إحدى عشرة حالة إصابة بسبب الرصاص الطائش في دمشق ليلة رأس السنة توزعت على مستشفيات المواساة والمجتهد، فيما سُجِّلت 9 إصابات في حلب في كل من العزيزية وشارع النيل وصلاح الدين. وكان لحمص الحصة الأكبر من الإصابات وصلت إلى 12 إصابة، بحسب تصريح لمسؤول في صحة حمص. وفي مدينة جبلة وبحسب مواقع التواصل الاجتماعي وصلت الإصابات بسبب الرصاص العشوائي إلى 12 إصابة. أما في اللاذقية فقد توفي طفل من الرمل الشمالي نتيجة تأثره بإصابة من رصاصة طائشة اخترقت جسده وهو يشاهد الألعاب النارية من على شرفة منزله.

أما عن الألعاب النارية فحدث ولا حرج، فلقد صرفت في يوم رأس السنة وحده مبالغ خيالية بسبب إطلاق الألعاب النارية، كانت كفيلة بسد حوائج الكثير من الأسر الفقيرة المعدمة التي لا تجد ما يسد الرمق نتيجة ظروف الحرب. فمن المسؤول عن توافر الألعاب النارية بتلك الكثافة؟ ولو لم يكن تاجراً كبيراً ومدعوماً ما سُمح له ببيع القنابل المتفجرة والخطيرة لتصبح لعبة بأيدي الأطفال، ويصل صوتها إلى أبعد مدى ويسبب الإزعاج للناس في منازلهم، ويثير القلق!؟

صار بعض الناس يتجنبون حضور الأفراح والأتراح خوفاً من الرصاص الطائش، وصار الهم الأكبر لمن يضطر لحضور تلك المناسبات أن يعود هو وأطفاله سالمين إلى منازلهم.

السؤال الأهم الذي يردده كثيرون هو: لماذا لا تحاسب الدولة المتمثلة بوزارة الداخلية كل من يسبب الخوف والرعب بإطلاق النار العشوائي؟ ولماذا لا تصدر وزارة الداخلية تعميماً بمحاسبة أولئك السذّج أشد حساب وأن يصادر سلاحهم، وأن يمنع إطلاق الرصاص في الأفراح والأحزان على حد سواء. أما الاستفهام الأكبر: فلماذا لا نراكم، أيها المتبجحون برصاصكم، على خطوط النار ومقابل الأعداء، وليس هنا بيننا؟ فمكانكم ليس هنا، بل هو على الجبهات التي يقاتل فيها الجندي الشريف والرجل الحقيقي كل الخونة والمرتزقة كي يدافع عنكم يا أشباه الرجال!

العدد 1107 - 22/5/2024