حدث في صباح المدينة الآمن! «إبلاغ عن حادث سير»

أجمل الحركات التي يقوم بها طفل صغير، هي تلك التي يقوم بها عندما تضع عصفوراً صغيراً بين يديه، فيخاف الطفل أن يخنق العصفور، ويخاف العصفور أن يخاف الطفل منه، فيأتلف الاثنان في تعايش من نوع سحري في حضن آمن يتشكل من يدَيْ الطفل الصغيرتين وجناحَيْ العصفور الناعمين!

تلك هي حكاية دمشق مع العصافير.

ويمكن التأكد من ذلك كل صباح.. ففي صباحات دمشق ألف قصة، وفي كل قصة لابد أن تجد عصفوراً ووردة وياسمينة وطفلاً صغيراً وسورياً يحمل أملاً في حياتنا!

العصافير هذه الأيام، تنزل بكثافة إلى الشوارع لتلتقط طعامها عند الصباح، فتراها وهي تلهج بزقزقة خافتة كي لا توقظ المدينة التي تتحفز لبدء نهار جديد، وترى المدينة تعاملها بحذر الطفل الذي تحدثنا عنه، أي أن المدينة تعود إلى طفولتها، وتعود العصافير إلى خفة ظلها!

قبل أيام، ولم تكن الساعة قد قاربت السادسة صباحاً، كادت إحدى السيارات المسرعة أن تدهس عصفوراً كان يلتقط الحب في وسط الشارع، لكن سرعة السائق وانتباهه إلى استعمال مكابح سيارته أنقذت العصفور.

كان العصفور قد استسلم لقدره، فجمّد الخوف أجنحته عن الطيران، وفتح عينيه على آخرهما، ووقف أمام عجلة السيارة يرنو إليها بهلع مع آخر صوت تركته المكابح وهي تحاول التمسك بالأرض.. كان العصفور ببساطة مستسلماً مدهوشاً بآن معاً!

عدد من المارة كانوا شاهدين على الحادثة، فقال واحد منهم بعفوية، وكأنه يحادث نفسه:نجا العصفور!

وقال آخر: نجا العصفور في اللحظة الأخيرة!

وما إن ابتعد العصفور عن المكان حتى عاد السائق، وانطلق بسيارته، وبعد لحظات عادت العصافير لالتقاط الحب من الشارع، وعادت المدينة إلى هدوئها، ولم يخطر ببال أحد أن شيئاً ما مُعبّراً حصل في ذلك الصباح الجميل الهادئ!

أنا كنت أحد الشهود، فقلت، وأنا أضحك: إن الحق على العصفور، كان يجب أن يتناول طعامه على الرصيف!

ومشيت.. مشيت وأنا أستعيد شيئاً أكبر بكثير من شهادتي، مشيت وأنا أستعيد صورة السوري، وهو يوقف سيارته بهذه الطريقة كي لايدهس العصفور .. كنت واثقاً أنه سوري، تماماً كما هي ثقتي أن كل من يقتل السوري ويمثل بجثته لا يمكن أن يكون سورياً!

العدد 1104 - 24/4/2024