عندما جرحني الدكتور غسان الرفاعي! «محاولة للوفاء»

جميل جداً أن يبحث القارئ عن كاتب يحبه، ليقرأ له كل جديد. ونحن كنا نفعل ذلك، سواء كان الكاتب محلياً أم عربياً، وحتى عالمياً.. فكثيرون من جيلنا كانوا يتابعون كتّاباً عرباً في الصحف أو بين الإصدارات الحديثة، وآخرون كانوا يهتمون بما يترجم لكتاب العالم، والأغلبية من أصدقائنا كانت تقرأ لكتّابنا وتعتز بهم.

ولكن لانعرف ما إذا كان أحد في هذه الأيام يقرأ لكاتب ما ليعرف أين وصلت أفكاره، سواء كان هذا الكاتب من سورية أم من خارجها، وسواء كان هذا الكاتب معروفاً أم غير معروف!

أنا كنت من قراء الدكتور غسان الرفاعي، واستمررت في قراءة ما يكتب إلى أن توقف قلمه.. وفي أواخر السبعينيات أصبح أستاذي في الصحافة. وعندما طلب منّا الكتابة في اختبار تجريبي، كتبت زاوية صحفية، فأعطاني 70% من العلامات، في حين أعطاني الصحفي العتيق عباس الحامض، وكان أستاذي أيضاً 99% من العلامات على زاوية مماثلة!

دفعني الفضول لأسأل الدكتور غسان: لماذا أعطيتني 70% فقط يا دكتور؟

فأجاب بجدية: هل تعتقد نفسك (أليس في بلاد العجائب)؟!

وتركني ومضى بسرعة، فقد كان دائماً مشغولاً لايحب إضاعة الوقت في حوارات جانبية، فكيف إذا كان رئيساً لتحرير صحيفة (تشرين) وقتئذ؟! تركني ومضى، وهو لايعرف أنه جرحني، لأني كنت أقرأ بنهم زاوية الكاتب الراحل محمد الماغوط (أليس في بلاد العجائب)، وبالتالي وصلتني رسالته تماماً، وكان عليّ أن أتأدب!

ذهبت إلى الأستاذ عباس الحامض، وسألته: لماذا أعطيتني 99% فقط يا أستاذ؟

ضحك وهمس بعفوية وصدق أبوي: أنت تكتب بشكل جيد، وعليّ أن أشجعك!

بعد سنوات عرفت قيمة نفسي جيداً، وأعدت قراءة هاتين الزاويتين، فأحسست أن ثمة وقتاً طويلاً أحتاجه لكي أقارب في الكتابة شيئاً ما من نصوص (أليس في بلاد العجائب)، وأنني أحتاج خلال ذلك إلى تشجيع من صحفي عريق!

مات الأستاذ عباس الحامض، ومات الدكتور غسان الرفاعي، وبين موت الأول وموت الثاني مسافة طويلة من الزمن، لكني إلى الآن أبحث عن مكان لي ولا أجده.. أخاف أن أمضي بقية عمري عند درجة السبعين، رغم كل التشجيع الذي ألقاه من القامات الكبيرة في الكتابة.

يا ألله تلك قامات كبيرة نعتز بها، أما القامات الصغيرة، فلها حكاية أخرى في تقدير العلامات!

العدد 1105 - 01/5/2024