القانون لا يأتي بعيدِ غياب قسراً

من النظم والعدالة الإلهية هي تنظيم حياة الإنسان وشعوره وجسده وفكره، فالإنسان مخيّر ضمن طاقاته وإمكاناته العقلية والجسدية والنفسية أن يكون مسؤولاً تجاه مجتمعه وخالقه، وقد تجلى نظامه الفكري بممارسة عقائده وشعائره الدينية التي تزيد الإنسان إيثاراً وحباً، وتنعكس نفعاً وخيراً للفرد والأسرة، ومن ثم للمجتمع. والاحتفال بالأعياد هو تكريس لهذه الشعائر والعقائد الدينية التي توارثها الإنسان، وباعتبار العيد نظاماً أخلاقياً وأيديولوجياً يحمل مشاعر الفرح والسرور المتأصلة في قلب كل إنسان ومن خلال ارتقائه سلم الحضارة والتقدم جُعل للعيد مواقيت تتجدد فيها الروابط الاجتماعية والتواصل الاجتماعي المبني على البر والتقوى والتعاون والتسامح والحب والوفاء ونبذاً للخلافات.

فالعيد ركن أساسي في حياة الإنسان وشعائره هي من الأساسيات المكونة للتنوع الثقافي في المجتمع، وفي هذا تحقيق لمبادئ المواطنة والعدالة والتضامن الاجتماعي والحرية والمساواة وصون للكرامة الإنسانية لكل فرد في المجتمع، وهذا ما قام عليه المجتمع السوري في كل مراحل تطوره، فقد كفلت الدساتير السورية السابقة والدستور الحالي لعام 2012 إقامة هذه الشعائر في المادة الثالثة منه، إذ نصت على (3- تحترم الدولة جميع الأديان وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها، على أن لا يخلّ ذلك بالنظام العام).

وأيضاً ما نص عليه الدستور لحماية التنوع الثقافي في المادة التاسعة التي نصت على: (يكفل الدستور حماية التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته وتعدد روافده باعتباره تراثاً وطنياً يعزز الوحدة الوطنية في إطار وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية). وكذلك نصّ الدستور في الـ مادة42 على أن (1-حرية الاعتقاد مصونة وفقاً للقانون). وباعتبار أن إقامة هذه الشعائر حق لكل مواطن، فقد وفرت الدولة كل الوسائل التي تحقق ذلك، وهذا ما حثّت وحضّت عليه في نظام التربية والتعليم، وذلك بالتمسك بالتراث والانتماء، ومنها إقامة الشعائر الدينية والاحتفالات في تراث ساهم في بناء المجتمع فكرياً وأخلاقياً وقوّى أواصر القربة والعلاقات الاجتماعية بكل مكوناتها.

ولكن ما حدث خلال الأزمة السورية أن حاول الأعداء القضاء على الإنسان السوري، بما يحمل من مخزون فكري وثقافي صعد به سلم الرقي والحضارة للحفاظ على تاريخه العريق وأرضه ووطنه وقوميته وانتمائه، وذلك لإعادة تشكيله من جديد وفق أهواء ورغبات تناسبهم.

فقد حل ميدان القتل والتدمير والتشرد بدل العيد ميدان الخيرات والمكرمات، فالعيد بات معنى للألم والحزن والأسى، والأطفال أسقطوا عن أنفسهم مسمى الطفولة فغاب العيد بفرحهم وصار يستقبله أطفال حملوا هموماً وأثقالاً أضنت كاهلهم، فأخذوا دور الأب المفقود والغائب، أو دور الأم التي غيّبها الموت أو الفقدان وما زاد من معاناتهم غياب الخدمات الضرورية لاستمرار الحياة، إضافة إلى الوضع المعيشي الصعب والفقر والتهجير والخطف مما أفقدهم الأمان والمكان. ولكن يبقى الأمل لإعادة بهجة العيد ومعانيه، وذلك بالتمسك بثوابتنا وتاريخنا وهويتنا ومبادئنا وإنسانيتنا، لإكمال مسيرة بناء مجتمعنا ووطننا القائم على الحب والخير والعطاء والتسامح فالحب نقوى على كل المحن.

العدد 1104 - 24/4/2024