الطفولة الضائعة في طل القانون

 سعت المجتمعات الإنسانية خلال تطورها إلى الحفاظ على الأسرة باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع وباعتبار الفرد فيها هو اللبنة الأولى والأساسية، لذلك فقد حظي هذا الفرد بجميع مراحل حياته جنيناً ووليداً وشاباً وكهلاً باهتمام بالغ على المستوى الاجتماعي والقانوني للوصول إلى مجتمع راقٍ وحضاري يُحترم فيه الصغير قبل الكبير. فالأسرة تعتبر البيئة الطبيعية لنموه ورفاهه لكي تترعرع شخصيته ترعرعاً كاملاً ومتناسقاً وكاملاً في جو من السعادة والمحبة والتفاهم وتربيته بروح المثل العليا من تسامح وحرية ومساواة وإخاء.

وباعتبار الطفولة أهم مرحلة عمرية يمر بها الإنسان ويكون فيها غير ناضج بدنياً وعقلياً وغير قادر على الدفاع عن نفسه وحقوقه، لذلك هو بحاجة إلى الاهتمام والرعاية، فقد أولى المجتمع السوري والمشرّع السوري الطفل الحماية والاهتمام وراعيا مصالحه  من خلال التشريعات وقوانين عدة ومن خلال التوقيع على اتفاقيات ومعاهدات دولية، فقد صادقت سورية على الإعلان العالمي من حقوق الإنسان الذي نص في المادة الثانية على (لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات دونما تمييز من أي نوع) واتفاقية حقوق الطفل لعام 1993 نصت المادة الأولى (إن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة.. إلخ) والمادة 2 نصت على (تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز أو العقاب).

وقد صادقت أيضاً على اتفاقية العمل الدولية التي تتعلق بتشغيل الأطفال وتأمين الحماية لهم. أما في التشريعات الوطنية فقد أتخذ المشرع السوري جميع التدابير التشريعية لحماية الطفولة، أهمها ما أكده الدستور السوري لعام 2012 بتوفير الرعاية الاجتماعية من خلال رعاية الأسرة والطفولة والشباب والرعاية الصحية لكل مواطن وأسرته، والتعليم حيث جعله إلزامي حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي وأيضاً للمساواة بين المواطنين في الحقوق و الواجبات ولا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة. وأيضاً من خلال قانون التعليم الإلزامي وقانون منع التسول وقانون الأحداث الجانحين وما نصت عليه المادة 272  لقانون الأحوال الشخصية من حقوق الأطفال على أبويهم،  ونص المادة 484 من  قانون العقوبات العام الذي فرض عقاباً على تسيب الأطفال وتشردهم، وقرار منع الضرب في المدارس.

فهذه القوانين والتشريعات والمعاهدات والاتفاقيات بقي أغلبها حبراً على ورق نتيجة لخلل الاجتماعي كتفكك الأسرة والحروب والفقر والبطالة، فهناك أطفال ضاعت حقوقهم لسبب او لآخر لا علاقة لهم به، فقد بقوا يعانون من ممارسات خاطئة وخطيرة وإساءة نفسية وجسدية من عنف واضطهاد وتشرد وتعذيب واستغلال وإهمال منها يبقى طي الكتمان ومنها ما يظهر للعيان في المحاكم ودوائر الشرطة ولكن لا ينال فيها المجرم العقاب.

وجاءت الأزمة السورية لتزيد من معاناته نتيجة النزوح وفقدان الأهل والقتل والتجنيد بسن مبكرة والانقطاع عن الدراسة والأمراض والزواج المبكر للفتيات، إضافة إلى عدم حصول على أوراق ثبوتية خاصة به مما يعرضه للوقوع في براثن المتاجرين بالبشر مما دفع الأطفال إلى العمل في سن مبكرة دون حماية أو رعاية. لذلك يقع على الدولة والمسؤولين المعنيين بذلك تحمّل المسؤولية في تنشئة الأطفال في إطار من الحرية والكرامة الإنسانية والقيم الروحية والاجتماعية، وإعطائه الأولوية في كل القرارات والإجراءات المتعلقة به، واتخاذ جميع التدابير التشريعية والإدارية والتعليمية لحمايته من أي شكل من أشكال الاستغلال.

فلا بد من الارتقاء بهذه الفئة العمرية وتفعيل طاقاتهم الإيجابية لبناء مجتمع سليم قوي بكل أطيافه.

 

 

العدد 1102 - 03/4/2024