الرصاصة الطائشة تختار ضحيتها دون ذنب

في عصر تخطى فيه الإنسان الحواجز السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية نتيجة التقدم بالعلوم والمعرفة وتطوير وسائل التكنولوجيا التي سهلت الاتصالات والتواصل مع الأخر في أصقاع الأرض كافة عبر الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي الذي سهل تداول المعلومة والمعرفة والمبتكرات التي تخدم تقدم البشرية في مناحي الحياة كافة والاطلاع على ثقافات الشعوب وأصبح الأمن والسلام مطلب البشرية حفاظاً على هذا التطور الذي وصل إليه الإنسان.

رافق ذلك تطورٌ أيضاً بوسائل القتل والتدمير وأصبحت تجارة الأسلحة الحديثة والمتطورة التجارة الأكثر ربحاً ورواجاً وانتشاراً نتيجة لما يشهده العالم من فوضى وخلل في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وحلّت ثقافة العنف وحمل السلاح محل القلم، وحل محل السلام الحرب والدمار.

فقد كانت حيازة السلاح في السابق لغايات الدفاع عن النفس والحراسة وحماية الممتلكات ونتيجة لحمل السلاح سادت بعض العادات والتقاليد في مجتمعنا منها إطلاق العيارات النارية في المناسبات للدلالة على حدث ما، لكن مع زيادة عدد السكان وتنوع الأسلحة أصبحت هذه العادة تهدد الأمن المجتمعي لما تسببه من قتل بريء وإحداث عاهة وازعاج العامة.

ولأنه لا توجد نصوص صريحة تجرّم إطلاق العيارات النارية في المناسبات بل يجري التعامل مع هذه المسألة على ضوء ما جاء في قانون العقوبات وقانون حيازة الأسلحة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 51 لعام 2001 الذي نصت المادة الخامسة منه (يحظر حمل أو حيازة المسدسات الحربية وبنادق الصيد وذخائرها من غير ترخيص مسبق) ونصت المادة 11(أ -لا يجوز استعمال الأسلحة المرخصة في المناطق التالية -1-المناطق السكنية -2-مناطق التجمعات مثل الحفلات والمخيمات…. الخ –ب- يحظر استعمال السلاح المرخص لغير الغرض المرخص لأجله)، ونصت المادة 18(يشترط في طالب الترخيص أن يتم الخامسة والعشرين من عمره ومتمتعاً بكامل الأهلية).

 أما من حيث العقوبة لمخالفة ذلك فقد نصت المادة 41 منه (أ- يعاقب بالحبس من ثلاث سنوات إلى ست سنوات وبالغرامة من عشرة آلاف إلى خمسين ألف ليرة سورية كل من حمل أو حاز سلاحاً حربياً غير قابل للترخيص –ب- يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبالغرامة من خمسة آلاف إلى خمسة وعشرين لف ليرة سورية كل من حمل أو حاز دون ترخيص مسدساً حربياً أو ذخيرة له). ونصت أيضاً المادة 43 منه (يعاقب بالحبس حتى ثلاثة أشهر وبالغرامة من ألف إلى ثلاثة آلاف ليرة سورية أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام هذه المادة).

أما حسب قانون العقوبات السوري الذي يعتبر من يقدم على إطلاق عيارات نارية في الهواء وقد يتسبب بإيذاء شخص ما أو إزهاق روحه يعتبر فعله القتل خطأ وذلك حسب المادة 189 منه (يكون الخطأ إذا نجم الفعل الضار عن الإهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة الشرائع والأنظمة), ويعاقب حسب المادة 314 منه (1-يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة أقصاها مئة ليرة من حمل أو حاز سلاحاً دون إجازة ينيط القانون حملها أو حيازتها بإذن السلطة).

وبما أن النية الجرمية متوفرة لمن يقدم على إطلاق العيارات النارية في الهواء لأنه يعرف أن هناك قانوناً وقد خالفه ويعتبر ذلك نوعاً من الرجولة، فلا بد من اعتبار إطلاق العيارات النارية في الهواء جريمة بحد ذاتها ويعاقب عليها القانون أسوة بالعقوبات المتعلقة بالإيذاء المنصوص عنها في قانون العقوبات، وذلك نتيجة لما يسببه إطلاق العيارات النارية من قتل أو تشويه جسيم أو عاهة دائمة أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل أو بتر لأحد الأطراف وتعطيله عن العمل، لذلك لابد من نص قانوني صريح وواضح يجرم هذا الفعل بتهمة القتل العمد لكل مطلق للعيارات النارية، وتشديد العقوبات على جميع العابثين بأمن المجتمع واستقراره بالتنسيق بين وزارة العدل ووزارة الداخلية، وتفعيل الضوابط القانونية والاجتماعية والتربوية والدينية اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة.

ونتيجة أيضاً لما سببه انتشار السلاح من انتشار الإرهاب والفساد، فقد أصبح انتشار السلاح وحمله مبرراً نتيجة الأوضاع المنية بلدنا الحبيب في حربه ضد الإرهاب، فقد أصبح السلاح بأيدي جماعات وأفراد جهلة وحمقى تخالف القوانين ملحقة الأضرار بالحياة والممتلكات، وهنا يكمن الخطر والتهديد الحقيقي للحق في الحياة والأمن والهدوء. لذلك لابد من فرض مبدأ سيادة القانون وفرض هيبة الدولة لضبط الأسلحة وانتشارها وكل من يحوزها ويستخدمها بطريقة غير قانونية، لأن كل مقاتل في ساحات الحرب بأمس الحاجة لكل طلقة ترمى عبثاً في الهواء.

العدد 1104 - 24/4/2024