لزوم تقنين الشخصية الافتراضية

 لقد أصبح الإنترنت جسر تواصل بين أفراد المجتمع وتسهيل حياتهم ومساعدتهم على سرعة الإنتاج والتطوير، مكوناً مجتمعات إلكترونية لها عالمها الافتراضي لا يعرف فيها الأفراد بعضهم البعض، ولا توجد بينهم روابط اجتماعية ويكون اللقاء عبر الأفكار والآراء.

هذا التفاعل في المجتمعات الافتراضية أدى إلى لقاء حضاري وإنساني ساعد في الارتقاء في كل المستويات، وذلك نتيجة انفتاح على العالم وثقافاته المختلفة والانخراط بها، بعد أن أصبح من الصعب تجاهلها  أو تجاوزها. لذلك حظيت بالاهتمام والدراسة على كل المستويات، ولكنها من الناحية القانونية لم تحظَ بالدراسة الكافية من حيث انعكاسها على القانون باعتباره فرعاً من فروع المعرفة الإنسانية وباعتبار الواقع يسبق التشريع دائماً.

 لكي يؤدي القانون دوره في المجتمعات الحديثة يجب أن يخدم ويساهم في قضية التطور لديها بالقدر نفسه الذي يؤديه في خدمة أهدافه التقليدية (الأمن -الحرية -العدالة) وذلك للارتقاء بهذه المجتمعات. ففي المجتمع المادي الواقعي نظم القانون حياة الأشخاص بإعطائهم صلاحيات لاكتساب الحقوق وتحمّل الواجبات، وذلك من خلال الشخصية القانونية التي لها كيان ثابت كالإنسان الطبيعي والشخص الاعتباري (شركات -هيئات -الخ.) أما الشخصية الافتراضية في المجتمع الافتراضي فلها شخصية وكيان مستقل عن الشخصيات القانونية التي خلقتها  أو جسدتها لها روابطها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والتعليمية والسياسية والأمنية والإعلامية، وهذه الروابط نظمها القانون في الحياة الواقعية ضمن إطار قانوني يضبطها مختلفة عن روابط الشخصية الافتراضية، فالقانون لم يستطع معرفة هذه الشخصية أو ماهيتها أو مفهومها وأساس إسناد المسؤولية القانونية إليها.

لذلك أصبح من اللازم على المشرع الإسراع إلى تقنين المجتمع الافتراضي وتنظيم الشخصية الافتراضية وتأصيلها وفرض القانون على نشأتها، لما لها من آثار مستقبلية على هذه الروابط لإخضاعها للمراقبة الجنائية والمالية والمسؤولية المدنية وتحصيل الضرائب على معاملاتها وأرباح تجارتها الإلكترونية، ولما ساهمت في عولمة الجريمة وارتبطت بالعديد من جرائم المعلومات مثل انتحال الشخصية والذم والتشهير والتحقير عبر الإنترنت والنصب والاحتيال والقرصنة وانتهاك المعلومات الشخصية الإلكترونية والتحرش والمضايقة عبر برامج المحادثة وجرائم التحريض وإثارة الفتن الدينية والعرقية.

فالقواعد القانونية المنظمة لاستخدام الإنترنت غير واضحة وتقنين المجتمع الافتراضي لا تزال جزئية وغامضة، فلا بد من إيجاد قواعد قانونية لفرض السيادة على الفضاء الإلكتروني، لمواجهة الحروب والإرهاب والجريمة والقرصنة الإلكترونية وللحفاظ على الهوية السورية من خلال تحقيق الأمن الفكري والثقافي والاجتماعي وفرض سيادة القانون، ولمنع الآثار السلبية التي تؤثر في الواقع من خلال تحقيق المسؤولية القانونية داخل الشارع الإلكتروني سواء جنائية أم مدنية وحماية الملكية الفكرية وغير ذلك، فقد أصبحت الدولة في ظل العولمة ملزمة بتعديل تشريعاتها الداخلية وذلك لحتمية التكيف الدائم مع المتغيرات الدولية.

العدد 1102 - 03/4/2024