الاقتصاد والمجتمع

يتعرض المؤرخ الاقتصادي الكبير كارل بولاني (1886-1964) في كتابه (التحول الكبير) إلى هذه المسألة، فيبرز إحدى نقائص الاقتصاد ذي التنظيم الذاتي (الحر)، ونعني بها العلاقة بين الاقتصاد والمجتمع، ويبين كيف تؤثر النظم الاقتصادية أو الإصلاح الاقتصادي على علاقات الأفراد بعضهم ببعض، ذلك أن امتداد فترات البطالة واستمرار المستويات المرتفعة في التفاوت بين شرائح المجتمع، وكذلك انتشار الفقر، كان له أسوأ الأثر على الترابط الاجتماعي وأسهم في ارتفاع مستويات العنف والجريمة.

وقد لاحظنا كيف أن أسلوب الإصلاحات الليبرالية بأسلوب الصدمة في روسيا، قد أضعف العلاقات الاجتماعية، وأدى إلى وجود بل سيطرة المافيا الروسية، كما لاحظنا كيف أدى إلغاء المعونات الغذائية والمالية المقدمة في إندونيسيا في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي إلى الاضطرابات والفوضى.

 

في دولة ما: في الوقت الذي يُعلَن فيه عن السياسات الموالية للقطاع الأوسع من أبناء الشعب، تُمارَس فيه السياسات الليبيرالية الاقتصادية الجديدة، ويُستمع لنصائح المؤسسات الدولية بالتحول نحو اقتصاد السوق، علماً أن هذه النصائح هي التي أوصلت دولة ما إلى ما وصلت إليه، وغيرها من الدول، الاقتصاد الذي يصبح فيه الإنسان سلعة تباع ولا تُشترى، وتصبح فيه الأخلاق رذيلة لا فضيلة، ما نجم عنه تزايد البطالة وانتشار الفقر والحرمان وازدياد العَوَز، وجعل للفساد والمُفسدين اليد الطولى والوحيدة في إدارة الاقتصاد الوطني، وأدى ذلك إلى تردي الأوضاع الاجتماعية وتهديد السلم الاجتماعي.

هذا هو الاقتصاد الذي أوصل المجتمع في دولة ما إلى ما وصل إليه، ومازال مسؤولونا يقولون إنها مؤامرة.

فعلاً إنها مؤامرة هم شركاء فيها (عن علم أو جهل).

العدد 1105 - 01/5/2024