صبراً يا قدس!

 فعلها سيد البيت الأبيض إذ قدم ابنة فلسطين والمسلمين والعرب هدية غالية الثمن تنفيذاً لوعده إبان الانتخابات الأمريكية الأخيرة بأن تكون القدس عاصمة للصهاينة، وعلى الرغم من موجة الغضب والشجب والاستنكار التي اجتاحت الوطن العربي والعالمي ضد هذه الجريمة، فإنها لم تحرك ساكناً لأن التأييد المطلق قد تقمص في السياسة الأمريكية.

لقد قدم القادة والملوك العرب كل الولاء والطاعة وإحناء الرأس ولم تشفع لهم سياستهم الرخوة لدى السيد الأمريكي.

جاءت صفقة القرن في ظل غياب سياسة عربية مانعة للسيل الأمريكي الجارف، فعلى الجانب الفلسطيني فإن حجم الكارثة يجب أن يقابَل بسحب الاعتراف وإنهاء التنسيق الأمني مع العدو، ورفع الحظر عن استخدام الكفاح المسلح، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني والتمسك بالثوابت الفلسطينية.

إن كل دعوة للتفاوض مع العدو يجب وجود قائد يتسلح بالصلابة ويده عل الزناد، وهو يدرك بالملموس أن ظهره تسنده قوة شعبية قادرة على التضحية، واللافت أن مجلس الأمن قد عقد اجتماعه من أجل مناقشة القرار الأمريكي، والمرفوض من دول العالم كما عقدت الجامعة العربية اجتماعاً لها ناقشت القرار، وظلت اللجنة التنفيذية لـ (م.ت. ف) حتى اللحظة غائبة، وهي الجهة المعنية أكثر من غيرها لم تعقد اجتماعاً.

وماذا تبقى للمفاوض الفلسطيني، وقد طويت القدس من خارج كل المفاوضات القادمة؟ وعلى الجانب العربي ما زالت ذاكرتنا تحتفظ بالمشهد الفريد: الملك سلمان يرقص بالسيف العربي مع ترامب وقد تجاوز حد الكرم عندما قدم له 400 مليار دولار مع هدية متواضعة جداً قلادة مرصعة بالمجوهرات النادرة، وسيفاً قد يكون يمنياً وهو من أغلى السيوف، فضلاً عن الدور القذر بتمويل ودعم الإرهاب ضد الشعب السوري واستباحة دمه إمعاناً في كسب الرضا الأمريكي، وأن هذا التفريط بحق شعوبهم قد سهل على أمريكا إصدار مثل هذا القرار الصدئ.

أقول جازماً إن قرار ترامب قد مر من البوابة السعودية قبل أن ينضج في تل أبيب، ولا يغيب عن ذاكرتنا وجود روح من التوافق العربي المتخاذل والمؤيد لحكومة الانتداب البريطاني في فلسطين وإجهاض الثورة الفلسطينية الكبرى التي قادها الشهيد عز الدين القسام عام 1936.

كما صدت تلك الأنظمة وقوف الشعب الفلسطيني لمواجهة الغزو الصهيوني لفلسطين 1948 فقد قامت هذه الأنظمة العفنة بفرض قراراتها وتوجهاتها على قيادة الشعب الفلسطيني وتجاهل قيادتها وتجاوزها بحجة أن قضية فلسطين قضية عربية، وأن الأنظمة العربية تتولى قيادة تحريرها، ووقفت في وجه قادة فلسطين ومنعتهم من دخولها.

لقد هان على تلك الأنظمة ضياع فلسطين وسقوطها في يد الأعداء، فكيف لا يهون عليهم اليوم ضياع القدس؟

إن الشعب العربي مطالب اليوم بإلحاح شديد ممارسة أقسى الضغوط على حكامهم ليستيقظوا ويحركوا قواهم القادرة على هزيمة الأعداء، ومن هذه القوى توظيف النفط وسد الممرات المائية في وجه الملاحة الأمريكية.

حتى اللحظة لم نلمس موقفاً جاداً في أي طرف عربي، حتى لو على مستوى قطع العلاقات الدبلوماسية لإرغام ترامب على التراجع عن قراره الجائر، وسوف نعفيكم من هذه المهمة ولكن نطلب منكم أضعف الإيمان: وقف استيراد الكوكا كولا.

غداً والفجر قريب سوف يصم آذانكم هدير الشعوب وهي تزحف لكنسكم إلى مزابل التاريخ، ويعيدوا النفط سلاحاً يهدد أسيادكم ويرغمهم على الرضوخ لإرادة الشعوب.

صبراً يا قدس أيتها الحبيبة! غداً ينهض شبابك ليختبروا بنادقهم ويمارسوا هواية الصيد التي أتقنوها، وهم يعرفون بالتأكيد أبواب مدينتهم وحواريها وأزقتها، ويعرفون كيف يتسللون إليها كي تبقى طاهرة وسامعة وينقذونها من البغي والعدوان.

العدد 1105 - 01/5/2024