العبودية والعنصرية ما بين اليوم والأمس

د. صياح فرحان عزام:

لا يغرب عن الذهن أن البشرية حققت إنجازات حضارية هائلة ومتقدمة، ولكن مع هذا هناك نقاطٌ سود لاتزال تلطخ سجلها، وتعد وصمة عار على جبينها، مثل الحروب التي تختلقها وتديرها أمريكا وحلفاؤها وعملاؤها، والجوع، والفقر، والرق، والعبودية، والعنصرية.. وبالطبع هي آفاتٌ قاتلة ولاتزال عبئاً على ضمير الإنسانية بما تتركه من مآسٍ وآثار سلبية.

في اليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا الرق والعبودية عبر المحيط الأطلسي، التي استمرت بشكل مأسوي لأكثر من أربعة قرون، والذي صادف الخامس والعشرين من شهر آذار 2024، وجّه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كلمة بهذه المناسبة دعا فيها إلى إنهاء ما وصفه بـ(إرث هذه الكذبة العنصرية)، وطالب بالتصدي للعواقب الوخيمة والمستمرة التي خلفها الرق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، وأضاف قائلاً: (انتهت تجارة الرقيق عبر الأطلسي قبل أكثر من قرنين من الزمان، ولكن أفكار تفوّق العرق الأبيض التي كانت تقوم عليها مازالت حية)، هذا كلام مهم وصحيح.

الجدير بالذكر أنه خلال الفترة من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر، جرى اختطاف نحو 12.5 مليون إفريقي، ونقلهم قسراً بواسطة البواخر والتجار الأوربيين وبيعهم كعبيد في الأمريكيتين.

ومن ضمن هذا العدد الهائل من الإفريقيين الذين سُلبت منهم حريتهم، فارق الحياة منهم ما لا يقل عن 1.5 مليون إنسان، قبل وصولهم إلى اليابسة، بسبب ظروف نقلهم القاسية والصعبة على متن البواخر والسفن والقوارب.

إن هذا الماضي البشع وضع الأسس لنظام عنصري عنيف قائم على تفوق العرق الأبيض، وهو نظام لايزال قائماً حتى الآن، ويتجسد في ممارسات بعض الدول وسياساتها، ومن الأمثلة الفاقعة والفاضحة ما يحدث في فلسطين المحتلة في هذه الأيام، ومنذ نحو ستة أشهر متواصلة، ويتجلى في حرب الإبادة التي يشنها كيان الاحتلال الصهيوني ضد قطاع غزة ومقاومته بأبشع صور العنصرية والتطرف والحقد على الآخر ورفضه (أي رفض الفلسطيني وإنكار إنسانيته وحقوقه وحقه في تقرير مصيره)، إذ يتعرض الفلسطينيون الآن لحرب إبادة حقيقية أمام العالم كله، بهدف إزالة وجوده من دون أن تحميه قوانين وشرائع دولية أو دول قوية تحمل رايات حقوق الإنسان فعلاً وليس قولاً.

وحسب إحصاءات منظمة العمل الدولية، فإن نحو 50 مليون شخص حول العالم عاشوا (عبودية حديثة، إما بالعمل القسري أو بالزواج القسري، ما يمثل قفزة بنسبة 25% عما كان عليه الوضع قبل خمس سنوات).

ماذا يعني هذا؟ إنه يعني بوضوح أن العبودية والرق مازالا في القرن الحادي والعشرين يمثلان إرثاً لم تتخلَّ عنه البشرية، بسبب الفقر والحروب والعوز والهجرة والعنف المبني على النوع والعرق والدين، وهي ندوب تشوه المجتمعات والحضارات وتعيق عملية التنمية وتشكل عبئاً على العلاقات الإنسانية وانتهاكاً لكل القيم الإنسانية والأخلاقية.

وبالتالي، فالأمر المهمّ أن يتخلى المجتمع الدولي عن صمته تجاه ما يجري من ممارسات تحد من حقوق الإنسان، بل تنتهكها بكل وقاحة بحماية من دول كبرى (كما تفعل إسرائيل مع الفلسطينيين في حرب غزة وقبلها، بحماية أمريكية)، وعدم السماح لهذا الوباء بأن يتفشى ويجرد الإنسان من إنسانيته.

لقد خلق الله الإنسان حرّاً ولم يخلقه عقاراً أو تراثاً!

العدد 1104 - 24/4/2024