قطرة فوق قطرة بحر.. وحكمة فوق حكمة علم

ياسمين أبو ترابي:

لم تكن الحياة عادلة بشكل عام، ومن الصعب أن يُقارن الحقّ بالباطل على كفتَي الميزان.

فمعادلة الحياة تشبه معادلات الرياضيات، ذلك أن كل واحد منّا مسؤول عن قضية ما قد تُشكّل حيّزاً هاماً له وللآخرين، أو العكس. إذاً المسألة هي مسألة وجود الإنسان ومكانته وفعله لا أكثر ولا أقلّ.

أنا كائن بشري مخلوق من نقطة صغيرة في رحم أمي، لكن أصلي من طين، فالبشرية جميعها معجونة بطينة الحياة، وهذه هي اللعنة والنقمة والنعمة في آنٍ واحد.

وجودي في الحياة ضروري كما سائر المخلوقات. لكن، عليّ أن أدين بالوفاء لأبي وأمي الحقيقيّين آدم وحواء.

حياتنا شاردة مع النوارس الجريحة. فمن يستطيع أن يتنبّأ بقدرٍ إلهي؟ ومن يدري كيف ينصهر الأسود مُتحوّلاً إلى أبيض في زمن العجائب والغرائب؟

ربمّا تطول وتتسع دائرة الإجابات، وهناك حضور كبير للقناعة الوسطية المُحتملة، وإلاّ كيف عرف الإنسان تلك الرمادية التي تسود اليوم؟

نحنُ البشر نحمل مسؤولية هذا على عاتقنا، لكننا لا نستطيع الإدلاء بهذا الاعتراف حتّى أمام أنفسنا.

ما الذي أكتبه أنا؟!

أنا اليوم أكتب قصة بلا عنوانٍ، ربمّا بالمطلق أُدوّن أساطير وملاحم الآخرين العابرين من هُنا، لأنَّ كلّاً منهم وجد نفسه في شباكِ الضحية والفرق في هذا شيءٌ واحد. هناكَ من ناشدَ بصوته، وهناكَ أشباح استولت على عروشِ النطق.

إذاً، ماهي المشكلة؟!

المشكلة، أنك لو كنت حزيناً فلن تجد أحداً يقرع طبول الأحزان من أجلك، ولن يتقاعس القديس عن دفن أيّة جنازة اليوم.

كلّنا نسير وفق مصالح مشتركة تجعلنا نختلط بالعالم المادي شئنا أم أبينا!

فالرقص تحت المطر أمرٌ ممتع علينا تعلمه لعلّنا ندرك قيمة ما سيهطل بعد المطر.

أيامنا المريرة هي مجرّد امتحان آتٍ، ومحصلة علاماتنا هي رمز بصدق لطهارة العاهرين، بينما أيامنا المستقبلية كالرّعد تماماً تُبرق بعواصفها في كلِّ مكان، والآن عساي أفهم ماذا قصد أرسطو بقوله: (علينا أن نُحرّر أنفسنا من الأمل بأن البحر يوماً سيهدأ، علينا أن نتعلّم الإبحار وسط الرياح العاتية).

فلسفة محبوكة بجوهر من ألماس، فالإنسان هو قبطان ذاته، وهو بطل قصته، وما عليه إلاّ أن يحرّك شراع سفنه ويُبحر وسط رياح الحياة ليُسجّل ثورته الغاضبة، فهي لم تأتِ إلّا من ضيق الحال وصعوبة العيش وقذارة المتحكمين بمصائره، ورغم هذا تجده متمسكاً بسطوة هذا على نفسه.

الكتاب الّذي نقرؤه، إذا لم يوقظنا من سُباتنا فلماذا نقرؤه إذاً؟!

إنّنا نحتاج إلى تلكَ الكتب الّتي سقطتْ علينا كالصاعقة وجعلتنا نشعر بأنّنا غرباء في أوطاننا ومنازلنا، جعلتنا نشعر بإحساس الفريسة الّتي طُردِت إلى الغابة خائبة الظنِّ ومكسورة جناح الأمل، أمّا عن عجز الخاطر فلا دواء يجبرهُ سوى احترام الذات والعقل الساكن فينا. لذا أجد أن على الكتاب أن يكونَ كالفأس الّذي يُحطّم المُتجمّد في داخلنا وعقولنا.

العدد 1104 - 24/4/2024