الدجل التركي.. وصفقات تحويل الدم الى ماء!

فادي الياس نصّار:

كذبَ رئيس أركان القوات المسلحة التركية، السابق، يشار غيولير أكار، حين قال عام 2018: (نحن نكافح من أجل الاستقرار في إدلب، ووقف إطلاق النار)، وكذبه هذا يشبه الى حدٍّ كبير تصريحات رعاة صفقة القرن، التي يقولون فيها: إنَّ الصفقة ستساعد في تحسين البنية التحتية في الأراضي المحتلة، وتحسين معيشة الفلسطينيين تحت الاحتلال.

فالتركي حين يتكلم عن كفاحه من أجل استقرار إدلب، يحاول التغطية على عمليات النهب المُنظّم الذي مارسه خلال سنوات الحرب على سورية، والتدمير الممنهج للإنسان السوري، ومثله يفعل أصحاب صفقة القرن، لكونها حفرة عصرية ستُدفن فيها القضية الفلسطينية، وهي عملية بيعٍ وقضم لما تبقّى من فلسطين، ونهبٍ تدريجي، لثروات الخليج العربي (سيقوم الكاوبوي بسحب الأموال الخليجية، وتحديداً السعودية والإمارات بمعدل 70% من تكاليف الصفقة و20% من الاتحاد الأوربي، في حين لا تتجاوز مساهمة الولايات المتحدة الأمريكية 10% فقط).

المقاربة بسيطة وعميقة، بين كذبة سعي تركيا إلى استقرار إدلب، وهي التي فتحت، على مدى سنوات الحرب، حدودها كاملة ليدخل كلّ إرهابيّي العالم إلى سورية، بحجة أنه يساند (ثورة) شعب يطالب بحقوقه، والكذبة الأكبر التي تصوِّر سعي منظري التطبيع وأرباب (صفقة القرن)، إلى تحسين حياة الفلسطينيين، ولكن تحت الاحتلال الإسرائيلي، الذي يدعمونه بكل قواهم، ويقدمونه على أنه مسالم، حضاري، ويكافح الإرهاب.

تصريحات (أكار) حول حرصِ بلاده على تحقيق الاستقرار في إدلب، تتناقض مع انخراطها، بشكلٍ مباشرٍ، في معركة (جيب إدلب) بكلّ قوتها، ودفعها بفصائل من (درع الفرات) لدعم المجموعات الإرهابية، وإرسالها ضباطاً للإشراف على غرف عمليات تقود المعركة هناك، وهذا التناقض الرهيب يحتمل مقاربته بتناقض فظيع بين تصريحات عرّابي (صفقة القرن)، حول أن الصفقة ستحقق الازدهار الاقتصادي وستنعش المجتمع الفلسطيني، وإيقافهم لكل أشكال التمويل الذي كانوا يقدمونه لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بهدف خنق الفقراء في غزة والضفة، وزيادة الحصار الاقتصادي عليهم، وعزلهم عن العالم.

كما أنَّ ادّعاء تركيا، محاربة الإرهاب في سورية ( يعتبر الأتراك أنَّ الكُرد هم الإرهابيون الوحيدون في سورية)، فيما هي تدعم وبشكلٍ علني (جبهة النصرة) وأخواتها، وتعتبرهم حلفاءها، تصحّ مقاربته مع منظري صفقة القرن، الذين يتهمون الفلسطينيين (أصحاب الأرض) الذين يدافعون عن بيوتهم وأراضيهم، بالإرهاب، فيما يدافعون عن الإسرائيلي ويصورونه على أنه إنسان حضاري ومُسالم، ويجتهدون في تسليحه (رصدت الولايات المتحدة الأمريكية هذا العام مبلغ 3.3 مليارات دولار، لميزانية وزارة الدفاع الإسرائيلية)، ويسمحون له فوق ذلك بإنتاج السلاح الكيماوي والنووي.

ويعمل رعاة (صفقة القرن)، ومعهم المُطبّعون العرب، على تلميع صورة الكيان الصهيوني، وينكرون أو يتجاهلون جرائمه بحق الإنسان الفلسطيني، واغتصابه واحتلاله الجولان السوري، مثلما تُنكر تركيا مجازر الجيش العثماني بحقِ الشعب الأرمني عام 1915 (قُتل أكثر من نصف مليون أرمني، وهُجّر منهم نحو مليونين)، كما تُنكر مجزرة (سيفو) التي ارتكبها أجدادهم العثمانيون، في الفترة ذاتها (1914-1923)، بحق السريان في (أورفة) و (طور عابدين) السوريتان، تنفيذاً لبرقية من وزير الحرب العثماني آنذاك طلعت باشا، المؤلفة من ثلاث كلمات فقط: احرق، دمِّر اقتل!

يجول الدركي التركي، في الدول العربية موسّعاً (بيكاره)، فيتدخل علانيةً في شمال غرب سورية، وسرّاً في ليبيا (كشف الجيش الليبي وجود جنود وضباط استخبارات أتراك يقومون بتدريب الجماعات الإرهابية ويقاتلون في صفوفهم بالعاصمة الليبية طرابلس)، وفي مصر حيث أرسل ضباط استخباراته الى جبل الحلال بسيناء، ليدرّبوا إرهابيي (تنظيم بيت المقدس)، وتزدهر فجأةً وبقدرة قادر، مشاريعها الاستثمارية في السودان بعد سقوط نظام البشير (نحو 700 مليون دولار، تنفذها 200 شركة، في مجالات النفط والذهب)، تحارب الدول العربية وتعمل على نهبها وتدمير اقتصاداتها، في الوقت الذي يشهد التبادل التجاري بينها وبين أحد أكبر المستفيدين من صفقة القرن (إسرائيل) ارتفاعاً سنوياً كبيراً.

لا يزال مفعول الكلمات الثلاث التي تضمنتها برقية وزير الحرب، العثماني: احرق، دمر اقتل، تسري في شرايين الدولة التركية الحديثة، التي تعمل وفق مخططاتٍ استعماريةٍ، وتدور في فلك الإمبريالية العالمية، التي تخدم (إسرائيل) بصدقٍ وتفانٍ، ومستعدّة كرمى لعيونها أن تعقد ألف صفقة وصفقة مع خيام العرب المنصوبة من المحيط الى الخليج، محوّلةً الدم في شرايينهم الى ماء.

 

العدد 1105 - 01/5/2024