من راشيل كوري إلى آرون بوشنيل

علي شوكت:

واحدٌ وعشرون عاماً بين حادثتين متباعدتين زمانياً، لكن يجمعهما المسبب نفسه والأسباب نفسها التي أدّت إلى حدوثهما.

راشيل كوري، شابة أمريكية، أربعة وعشرين ربيعاً. من مواليد 10 نيسان (أبريل) 1979 وكانت عضواً في حركة التضامن العالمية(ISM)  قُتلت بطريقة وحشية دهساً بشكل متعمد من قبل جيش الاحتلال الصهيوني، عند محاولتها إيقاف جرافة عسكرية تابعة لقوات الجيش الاسرائيلي كانت تقوم بهدم مباني مدنية لفلسطينيين في مدينة رفح في قطاع غزة، إبان احتجاجات الانتفاضة الثانية في 16 آذار (مارس) عام 2003.

آرون بوشنيل، الضابط الطيار في سلاح الجو الأمريكي، ابن الخمسة والعشرين ربيعاً، من مواليد 1999. بحضور وسائل الإعلام يوم 25 شباط 2024 انتحر حرقاً، إذ أحرق نفسه متعمّداً أمام السفارة الصهيونية في واشنطن احتجاجاً على الدعم المقدم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة أيضاً. وقد لقي انتحاره الصادم والمفاجئ صدى واسعاً أمام الرأي العام العالمي عامّةً والأمريكي خاصةً، وأدّى إلى تغيير في المزاج الشعبي العامّ، فخرجت العديد من المظاهرات التضامنية مع موقف آرون والداعمة للقضية الفلسطينية، في الولايات الامريكية ودول غربية عدة، مطالبة بوقف الحرب على غزة رافعين صور آرون. وقد أعلن قُبيل انتحاره معرفاً عن نفسه بكل وضوح، فقال: (أنا آرون بوشنيل. عضو نشط في القوات الجوية الأمريكية، ولن أكون متواطئاً بعد الآن في الإبادة الجماعية.

أنا على وشك الاشتراك في عمل احتجاجي متطرف، لكن مقارنة بما يشهده الناس في فلسطين على أيدي الإسرائيليين، فهو ليس متطرفاً على الإطلاق).

وأشعل النيران بنفسه وهو يصيح بكل وضوح وشجاعة وشرف ونبل قلّ نظيره: (الحرية لفلسطين، الحرية لفلسطين، الحرية لفلسطين!).

قالها ثلاثاً واضحة بلا جدال، ستبقى نبرات صوته تجلجل لأبعد زمن ممكن وربما إلى ما بعد أن تتحرر فلسطين على أيدي مقاوميها، أطفالها وشيوخها، نسائها ورجالها.

المفارقة الكبرى أن راشيل وآرون هما من البلد نفسه الذي يدعم الكيان الصهيوني بكل وسائل الدعم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ومالياً.

لكنهما ضد ذلك التوجه للإدارة الامريكية. وقاما بأنبل ما يمكن أن يضحّي به المرء من أجل مبادئه دفاعاً عن الآخرين.

فيما لا تزال آلة القتل الصهيونية تطحن كل ما تدركه أمامها من بشر وحجر وشجر. عشرات آلاف الشهداء والجرحى ومئات ألوف النازحين والمشردين، وكل دقيقة تمر يزداد العدد تصاعدياً، وماتزال حكومات العالم تبحث عن سبل لإيصال المساعدات الغذائية وإقامة الموانئ ورمي السلل الغذائية القاتلة بالمظلات للفلسطينيين، فيما يتسابقون لإيصال الذخائر للصهاينة.

وكأن المطلوب أن يبقى الفلسطينيون أحياء بالمساعدات حتى يتأكد للعدو أنه قتلهم بنيران رصاصه ومدافعه.

لروحَيْ راشيل كوري وآرون بوشنيل، ولأرواح جميع من يدافع عن فلسطين، السلام!

والحرية للشعب الفلسطيني المقاوم!

 

العدد 1105 - 01/5/2024