فيا ليت الشباب لا يعود يوماً!  

رنيم سفر:

فيا ليت الشباب يعود يوماً! إنّه شطرٌ من شعر أبو العتاهية، هذه قصيدة لن يردّدها شباب سورية ما داموا أحياء، شباب هرموا ولم يعرفوا طعم الراحة والعيش بمتعة، فمراهقتهم مضت بالحرب، وبعد زوالها وبدلاً من تحسّن الحال بدأت مضاعفات الحرب بالظهور فيا ليتها لم تكن ولم تُعَشْ.

قيل إنه من رَحِم المعاناة يولد الإبداع، ومن عتمة الحرب تتلألأ النجوم، لكن نجومنا كلما أرادت التلألؤ انطفأت، وكلما أنارت سُفحت بأزمات تليها أخرى، ومع ذلك بقيت شعلة الأمل الواهنة تشعّ نوراً رغم قلة حيلتها.

شبابنا أرادوا صناعة المستحيل وإثبات أن المعجزات تُصنع، أخذ أغلبهم طريق العلم منارة له، وبعد انتهاء العلم بدأ وقت العمل، فلا علم ينفع دون العمل به، محاولات باءت بالفشل وتكبد عناء لا رجاء منه حتى علمهم لم ينفعهم داخل بلدهم.

تغلغلت البطالة في الجذور، ولا شواغر لعمل الشباب حتى يكون لها مكان للأكبر سناً منهم، وإن وجدت فهي فتات وقروش لا تتناسب مع متطلباتهم واحتياجاتهم في ظل الارتفاع المروع للأسعار، خاصةً أنها على زيادة دائمة ولا مجال للرجوع بليرةٍ ما دامت قد ارتفعت، لكن قد جفت الأقلام من كتابتنا عن الأمر، والسكوت سيد الموقف اليوم.

من المعروف أن أسباب البطالة الأساسية: أولاً والأهمّ الحروب، ثانياً قلة الوظائف، ثالثاً كثرة العمالة الوافدة وكثرة الراغبين في العمل، ورابعاً السياسات الاقتصادية المتبعة.. وحمداً لله جميعها اجتمعت في سورية، البلد الحاضن لكل هذه الأسباب، فلا عَجب من وجود البطالة، كثرت الأسباب والنتيجة واحدة ولا حلول لانتزاع جذورها المتوغلة، خصوصاً بعد انتشارها في السنوات الأخيرة. وللعلم فإن (ما يزيد الطين بلّة) أن أي وظيفة تريد الالتحاق بها تشترط عليك سنوات الخبرة، ومن أين تأتي الخبرة إن كانت هذه الشروط لكل وظيفة؟ وأين الحلول بعد كلّ ما مررنا به؟ ألا حيّز لراحة العقل من التفكير بمستقبل ضبابي، وللجسد من التجوال بحثاً عن العمل؟ وها نحن اليوم وقد مرّ الثلث الأول من سنة ٢٠٢٤ ولا حلول إصلاحية، ولا محاربة ناجحة للبطالة ولا مشاريع مساندة للشباب لتأمين مستقبلهم ولا أيّ دافع لاستمرارهم ومحاولتهم للعطاء وردّ ما يستحقه هذا البلد، فلا تتعجب إن أصبحنا البلد العجوز في آخر هذه السنة بعد كل محاولات “التحسين ” الفاشلة!

فيا ليت الشباب لا يعود يوماً، فلا نتذكر ما مضى منه على رأسنا، وما رأته أعيننا وما سمعته آذاننا يوماً، من حربٍ وويلاتٍ وحصارٍ اقتصادي وأزمات معيشية وزلزال دمر ما كان باقياً منا، باقون هنا على أمل الإصلاح.

دمتم ودمنا سالمين!

 

العدد 1105 - 01/5/2024