مهن انتعشت خلال الأزمة في سورية وأخرى اندثرت مع مشروع قانون (الكسب غير المشروع)

هيفاء شعبان:

منذ بداية الأزمة في سورية، والمواطن السوري يتلقى الصدمات المتتالية، نتيجة المعاناة اليومية، والبحث عن بدائل أخرى لتلبية احتياجاته، التي أصبحت إحدى أدوات الحرب للقوى الخارجية، وبعض تجار الأزمات في الداخل، فبعض الناس أُفلسوا، وآخرون اكتنزوا ورسملوا على حساب الفقراء والمشردين، ومن جيوب المعترين.

ومن يراقب حال الشعب السوري منذ ثماني سنوات، يجد أن من كان لديه مهنة محترمة ودخل مريح أصبح من الفقراء والمشردين، وتجوز عليه الصدقة والحسنة، ويقف في الطابور للحصول على سلة مساعدات، ومهجر من بيت إلى آخر، وتشرد أفراد أسرته في عواصم العالم، ويقنن في مأكله وملبسه، وودع الرفاهية التي كان يتمتع بها، وصرف جميع أرصدته المادية والعينية، ومع كل ذلك لا يزال يتمسك بأخلاقه ومعتقده، ويرفض الرذيلة في أي شكل كانت، ويحمل آلامه ومرضه ويقف في الشارع لبيع الخبز والعلكة، ويرفض الحاجة والعوز، ولا أحد ينتبه إليه أو يحترم أخلاقه.

وفي المقابل مع كل أزمة كانت تمر على الشعب السوري، كانت تنمو فئة من المستفيدين والمنتفعين والمتاجرين بلقمة الشعب، فأصبح عامل التعبئة (بالفرد) في محطة الوقود من أصحاب رؤوس الأموال، ومعتمد الغاز لا أقل منه، وأصحاب المكاتب العقارية يصولون ويجولون ويزورون وينصبون بلا رقيب أو حسيب، ومن يتاجر بعفش المهجرين أصبح من الطبقة الأرستقراطية، ومنهم من انحدر إلى مهن منحطة أكثر، فزادت تجارة الممنوعات، من السلاح، والمخدرات، والتهريب، والغش، والسرقة، وأصبحت مغرياتهم تصل إلى الفئات الضعيفة، وتشكل خطراً على المجتمع السوري، ومن خلال النظر إلى الانحطاط أكثر، يكاد لا يمر يوم إلا وتسمع عن شبكة نصب، وتزوير، وقوادين، ومتاجرين بالنساء والجنس، مستغلين حاجة الناس ليركبوا السيارات الفارهة، ويتنقلوا بين المطاعم المرصعة بالنجوم، ويهمسون لأصحابهم، (نحن نعمل تجارة)، فهي بقناعتهم شريفة لأنهم يتبعون أسلوب الترغيب وليس الترهيب، فهي (تجارة بزنس الأغنياء).

في عام 2013 أقر مجلس الوزراء مشروع قانون يقضي بإحداث هيئة مستقلة تسمى (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد)، ومشروع قانون (الكسب غير المشروع)، ومشروع قانون يقضي بإحداث إدارة تسمى (إدارة الرقابة والتفتيش) في كل وزارة وكل جهة عامة مستقلة، لكن جرت أرشفتها لأسباب مجهولة أو لأنه يوجد القانون رقم 64 للعام 1970 خاص بالكسب غير المشروع، ولا يُعمل به.

ومع ذلك نجد أن الفساد يضرب أطنابه في سورية من الغرب إلى الشرق ومن الشمال إلى الجنوب ودائماً الحجة والسبب معلقة في رقبة الأزمة، ولا نودّ التعميم، فقط نود الإشارة الى بعض الاصوات التي بدأت ترتفع هنا وهناك عن انتشار أمراء الحرب، وتصرفاتهم البغيضة والمقيتة، فهل من حلول أو اجراءات للانتقال من الانتعاش إلى الصدمة؟ وكشف الغطاء عن الكسب غير المشروع لتجار الأزمة؟ أم أن ما تبقّى من المهن الشريفة في طريقها الى الاندثار والموت السريري، كما هو حال مشروع قانون (الكسب غير المشروع)؟!

العدد 1104 - 24/4/2024