جوع البشر.. ونَهَم امتلاك السلاح!

د. صياح فرحان عزام:

وسط هذا العالم الذي تعمّ فيه الحروب والصراعات، يظهر تنافس مجنون على الهيمنة وبسط النفوذ هنا وهناك، ولهذا ارتفع مستوى الإنفاق العسكري العالمي على الأسلحة عام 2023 بشكل غير مسبوق فقد وصل إلى 22 تريليون دولار، بزيادة قدرها 9% عن عام 2022، وتشير التوقعات إلى أنه سيرتفع أكثر خلال العام الجاري 2024، وهذا يعني أن العالم مقبل على مواجهة المزيد من الحروب والصراعات والفوضى وعدم الاستقرار، وأيضاً المزيد من الدمار والضحايا والجوع والفقر المرض.

ولا شك بأن التوترات والحروب المتزايدة في العالم سواء في أوكرانيا أو تايوان أو شبه الجزيرة الكورية أو منطقة الساحل الإفريقي أو في منطقة الشرق الأوسط، هي السبب الرئيسي لارتفاع حجم الإنفاق العسكري العالمي، وإن استمرار هذه الحروب والأزمات واحتمال اتساع مداها، سوف يزيد أيضاً من حجم الإنفاق العسكري ليصل إلى مستويات أعلى خلال عام 2024.

وفي هذا السياق يقول المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في تقرير نشره قبل أيام، إن الولايات المتحدة الأمريكية، كانت أكبر دولة بحجم إنفاقها العسكري الذي وصل إلى 877 مليار دولار، أي 41% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، وأكثر من ثلاثة أضعاف ما أنفقته الصين التي جاءت في المرتبة الثانية بما يقدر بـ292 مليار دولار، في حين بلغ الإنفاق العسكري الروسي 108.5 مليارات دولار، وحسب التقرير المذكور فإن حجم الإنفاق الدفاعي لأول عشر دول بلغ 19 مليار دولار، والباقي موزع على الدول الأخرى.

وهكذا فإن العالم يتجه ليكون أقل استقراراً وأكثر توجهاً نحو الصراعات والحروب، خاصة في ضوء تراجع دور الأمم المتحدة وعدم التزام دول كبرى مثل الولايات المتحدة بالقوانين الدولية والإنسانية وميثاق الأمم المتحدة، وعدم قبول واشنطن بالشراكة والتعاون الدولي، ومساعيها المتواصلة للسيطرة على القرار الدولي بشكل أحادي وعدم السماح للآخرين باستمرار العمل لإقام نظام دولي جديد بعيد عن التفرد الأمريكي بالهيمنة على هذا القرار الدولي بالقوة، مع استمرار تدخلها في الشؤون الداخلية للدول تحت ذرائع واهية مثل الدفاع عن الحرية والعدالة وما شابه ذلك من شعارات مزيفة.

إذاً، هناك نهم على امتلاك السلاح وتطويره بمختلف أنواعه، ولا تقتصر أضراره على نشوب المزيد من الحروب والصراعات، بل سيؤدي إلى مزيد من الأزمات الإنسان في أنحاء العالم ويوسع مساحات الفقر والجوع والمرض والتهجير والنزوح، وبالتالي يجعل العالم أقل قابلية للعيش.

ويقدر خبراء اقتصاديون وعسكريون وماليون أنه لو أن نصف ما يُنفَق على السلاح، أي 11 تريليون دولار فقط، يجري توجيهه لمحاربة الفقر والجوع والمرض ومواجهة موجات اللجوء والنزوح، لكان العالم أكثر استقراراً وأمناً وسلاماً، ولتحققت كل الأهداف التي سعت المنظمات الدولية إلى تحقيقها لمواجهة آفات الجوع والفقر التي يواجهها العالم، إذ إن التقارير الدولية تشير إلى أن ما يصل إلى 783 مليون شخص يعانون من الجوع في العالم وفقاً لتقارير وإحصاءات عام 2022، وهو ما يمثل زيادة قدرها 122 مليون شخص مقارنة مع عام 2019، وهذا الرقم ارتفع بالتأكيد خلال العامين الماضيين، وازداد بشكل ملحوظ مع حرب الإبادة الصهيونية على غزة، فقد عمل الاحتلال وما يزال منذ بدء حربه عليها لقطع المساعدات الدوائية والغذائية عن أهالي غزة وتجويعهم، كأسلوب عدواني لتهجيرهم خارج القطاع.. وقد أكدت الهيئات الدولية المختصة مثل الأونروا وغيرها أن جيش الاحتلال يمنع وصول الشاحنات التي تحمل المساعدات أو يدمرها أحياناً بالقصف.

هذا جانب واحد فقط مما يواجهه العالم، أما الجانب الآخر فهو أن البنك الدولي كشف عن أن ما يقارب 700 مليون شخص في العالم يعانون من فقر مدقع، وبالتالي فقد أصبح من الصعب أن يحقق العالم أهداف القضاء على الفقر بحلول عام 2030، إذ تشير التقارير إلى أن نحو 600 مليون نسمة سيظلون يعانون من الفقر حتى ذلك التاريخ.
إذاً، إنه جنون الإقبال على التسلح، فيما الجوع والفقر يتسعان، وبالتالي فإن ثالوث السلاح والفقر والجوع بات يشكل أكبر كارثة يمكن أن تواجهها البشرية.

العدد 1104 - 24/4/2024