نساء على حافة التاريخ

وعد حسون نصر:

أعياد وشعارات، أيام تُخصّص للاحتفال بالنساء ومشروعية حقوقهن، في حين لا يزال التاريخ يُسجّل أبشع روايات الظلم بحقهن، فلا يمضي يوم دون أن نقرأ أو نسمع بجريمة شرف أو تعذيب لمرأة تحت مُسمّى تقويم سلوكها وتقويم تصرفاتها وكأنها شاة سيقت للذبح.

عن أيّ حقوق تتحدثون إذا كُنّا في نظركم ناقصات عقلٍ ودين ونحتاج إلى محرم في السفر؟! ونحتاج إلى إذن وصي شرعي علينا حتى في علاقتنا مع أبنائنا، في الميراث تُمثّل الواحدة منّا نصف رجل، وكل امرأتين يعادلن في نصيبهن نصيب رجل واحد. في الشهادة أمام القضاء شهادتنا منقوصة، إذ لا بدَّ من رجل أو امرأتين، في العدل لا حقَّ لنا أن نحكم في أحوال الرعيّة لحجّة العواطف غير المُتّزنة، وبالتالي تحكمنا العاطفة لا العقل برأيكم. في الزواج، مازالت بعض المجتمعات تزوج بناتها وكأنها تبيع قطعة أثاث وتقبض ثمنها.

مازالت المرأة بشكل عام وخاصة العربية تعاني من عقد اجتماعية تخضع لعادات بالية، والذنب أنها امرأة ولدت في مجتمع ذكوري تسيطر عليه عقلية الرجل الشرقي، فكم من امرأة ريفية تعمل داخل منزلها وخارجه حين تجني المحصول وتبيعه في المدن القريبة وتربي الأطفال إضافة إلى واجباتها المنزلية الأخرى من تنظيف وغسيل وطبخ، وكذلك واجبها الزوجي كزوجة يجب أن تكون مُطيعة، وفي نهاية المطاف تُعامل كأنها جارية ويحق لزوجها اضطهادها بشتى السبل وأشنعها كتعدّد الزوجات الذي يعتبره حقاً مشروعاً شرّعه الدين له. حتى في قضية الإنجاب، المرأة لا يحقُّ لها الرفض أو القبول وكأنها فقط خُلِقَتْ لتحمل بذور الرجل في رحمها برضى وقبول دون أن تعترض، وإذا اعترضت أو كانت عاقراً تُعتبر كالشجر الفاسد لابدَّ من قلعه من جذوره وزرع الأفضل منه.

كم من سيدة مُنِعَتْ من حقّ تربية أبنائها بحجّة زواجها من رجل آخر بعد طلاقها، بل ويرفض طليقها السماح لها برؤيتهم. كذلك، من أرادت السفر وهي مُطلقة حُرِمَتْ من السفر لأن طليقها سيحرمها من رؤية أبنائها، وبالتالي لا تستطيع أن تُبقيهم معها!

كم من سيدة مُنِعَتْ من السفر بدافع التعلّم أو العمل لأن الوصي الشرعي عليها رفض سفرها ولم يأذن لها بذلك! كم من امرأة ناجحة في عملها ولديها شخصية مُميّزة في عملها حاربها العقل الذكوري وحرمها من حقها بتبوّؤ مكانة تستحقها لمجرد أنها في مفهومهم أقلُّ منزلة!

والمرأة لا يحقُّ لها أن تستلم منصب رئاسة أو قيادة في الجيش وتقتصر مهامها على الوظائف الإدارية التي تضعها في كثير من الوظائف في الدرجة الثانية بعد الرجل.

كل ذلك وغيره لأننا مازلنا نرضخ لتسلّط مجتمع يحكمه عقل ذكوري باطني، الجميع يدّعي التحرّر والانفتاح فقط ليصل إلى غايته، وعندما يطرق التحرّر باب فكره وواجبه يعود إلى زمن العشيرة والقبيلة ويتصرف بعقليته القبلية، ليبدأ الحكم من مبدأ العار والشرف وأن المرأة عورة وإلى ما هنالك من أوصاف عديدة، والدليل حادثة فتاة ريف الرقة التي تعرّضت للضرب المُبرح من قبل رجال العائلة لمجرّد الشكّ بعدم عذريتها. هذه الهمجية لم تكن في زمن أبو لهب، بل حدثت منذ أيام في زماننا هذا حين انهال رجال العائلة عليها بالضرب المُبرح ولم يشفع لها صُراخها بأنها ما تزال عذراء! فعن أيّ حقوق تتكلمون؟ وعن أي إنصاف تتحدثون إذا كُنّا ما زلنا نموت على أيديكم لمجرّد الشكّ بفقدان عذرية أو لمجرّد مطالبة بحق شرعي أو رفض زواج؟! تحرّروا من ذكوريتكم لتحتفلوا بحريتنا وإنصافنا كأمهات وأخوات وزوجات وبنات وحفيدات. لا تتحدّثوا عن حقوقنا المُقيّدة بذكوريتكم، فعندما تتحرّرون وتُحررونا من ذكوريتكم تلك يحق لكم أن تتغنّوا بحقوقنا، ويمكن لنا أن نقول إن في هذا اليوم (8 آذار) إنصاف للمرأة واحتفاء بها.

العدد 1104 - 24/4/2024