بلا عنوان!

د. أحمد ديركي:

هل من الممكن الكتابة عن أي أمر من دون اختيار عنوان للنص المكتوب؟ وكيف لنص أن يبدأ بسؤال؟

كل شيء ممكن أن يحدث في هذا العالم. نعم يمكن كتابة نص بلا عنوان، كما يمكن البداية بسؤال من دون إجابة. إمكانية حدوث هذا الأمر يتعلق بمجريات القضية الفلسطينية. ففلسطين محتلة من قبل الكيان الصهيوني منذ عقود. والاحتلال ما زال قائماً ومجازره ضد الشعب الفلسطيني ما زالت قائمة ومستمرة، وإن أخذت نوعاً من الهدنة المؤقتة بين الفينة والأخرى. وإذا أردنا إحصاء الكتابات حول فلسطين علينا العد بالملايين إن لم يكن أكثر. فكل حبة من تراب من فلسطين كُتب حولها مقال، أو دراسة، أو عقدت حولها مؤتمرات واتخذت قرارات.. فهل بقي من عنوان للكتابة عن فلسطين المحتلة؟ من هنا يمكن الكتابة عنها بلا عنوان لنفاد العناوين وعدم نفاد مجازر هذا الكيان بحق الشعب الفلسطيني.

ففي عالم اليوم أصبح من الممكن أن تُنتهك كل القوانين الدولية والإقليمية والمحلية من دون أي إجراء أو حتى مُساءلة المنتهِك (بكسر الهاء)! من مجزرة دير ياسين وصولاً إلى احتلال أراضي فلسطين، وبعض أراضٍ من الدول العربية، وباعتراف الأمم المتحدة، الدمية الحديثة في عالم السياسة، أن الكيان الصهيوني يحتل جزءاً من فلسطين لا حق له فيها، ويحتل أراضي عربية. أي بغض النظر إن وافقنا أنه يحتل جزءاً من فلسطين، لأن فلسطين هي فلسطين، أم لا، فقانونياً، على مستوى القانون الدولي، الكيان الصهيوني دولة محتلة. لكن القانون الدولي يتعطل ويختفي عند الاقتراب من الكيان الصهيوني، ويبقى على مستوى الأقوال لا الأفعال، إن تجرّأ وقال شيئاً.

أي على أرض الواقع لا وجود لا للأمم المتحدة ولا للقانون الدولي ولا لمواثيق وقرارات الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية لطرد هذا المحتل من فلسطين. الموجود هو كلمة همجية الكيان الصهيوني في فلسطين، همجية موجودة قولاً وفعلاً.

لكن يبقى السؤال: من هو هذا الكيان الذي يتحدى العالم وينفذ ما يقول؟ ببساطة إنه كيان يمثل رأس حربة الإمبريالية العالمية في العالم العربي. لذا فهو كيان مصطنع مدعوم عالمياً، ومحلياً، له الحق بفعل ما يشاء من احتلال فلسطين وصولاً إلى تهجير شعبها، وذبح من لم يُهجر. ويمارس كل هذا الإجرام بمساندة الجميع، من الأمم المتحدة وصولاً إلى أصغر نظام سياسي قائم في المحيط.

دعم يشير إلى مدى ضعف هذا الكيان، لا قوّته، ومدى انهزامية كل المؤسسات الدولية وخيانتها، بكل أشكالها وصيغها وما يتبعها من منظمات دولية وغير دولية. وهذا جلي وواضح في مسألة التفاخر باحتلال أراضي الغير! في الوقت الذي يدان فيه احتلال دولة لدولة أخرى عالمياً وتتخذ بحق المحتل إجراءات صارمة وعنفية لتحرير الدولة المحتلة. لكن في القضية الفلسطينية الأمر معكوس! وما دمنا بكذبة القوانين الدولية، يعتبر الكيان الصهيوني آخر دولة في العالم تقوم على أرض احتلتها ولا حق لها فيها، أي بكذبة القوانين الدولية الكيان الصهيوني دولة لا شرعية!

كل القوانين، المتعلقة بمسألة الاحتلال، تعمل لصالح المُحتل الصهيوني. والمضحك المبكي في الأمر أن كل الدول المحيطة بفلسطين تشتكي وتتباكى في الأمم المتحدة وتطالبها بتطبيق القوانين، في الوقت الذي يعلم فيه جميع المتباكين أن الأمم المتحدة دمية سياسية في خدمة هذا الكيان المحتل.

هذا على مستوى الاحتلال، أما بالنسبة إلى تهجير شعب فلسطين فالأمر مماثل. شتات فلسطيني في كل أنحاء العالم، والأمر المضحك المبكي، الآخر، يتعلق بالدول العربية. دول ترفض إعطاء الفلسطيني المقيم على أرضها كل حقوق المواطنة من خلال التجنيس، مدّعية أنها إذا منحت الفلسطيني جنسية البلد المقيم فيها تنتهي القضية الفلسطينية ويلتغي حق العودة وألف حق آخر.. وهنا السؤال التالي: ماذا تبقى من فلسطين؟ وماذا تفعل هذه الأنظمة العربية من أجل عودة فلسطين وحق العودة؟ نعم، إنها تقول الكثير والكثير، ولا تفعل ما تقول.

من مجزرة دير ياسين وصولاً إلى اغتيال المقاومين داخل المستشفيات في فلسطين المحتلة، إلى تدمير مناطق فلسطينية بأكملها وقتل سكانها والحكاية مستمرة وكأن شيئاً لم يكن! أليس كل هذا خرقاً لكل المواثيق الدولية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، والعالم برمّته يشاهد، وأقصى ما يقول (إفراط في استخدام العنف)! أي بصيغة أخرى: أيها الكيان، استكمل مجازرك بحق الشعب الفلسطيني، لكن اقتله برفق!

يعلن الكيان الصهيوني أنه سوف يغتال أي مقاوم أينما وُجد في العالم وينفّذ. بعبارة أخرى، يبدو أن هذا الكيان قد مُنح الضوء الأخضر لاستكمال جرائمه الوحشية على أرض أية دولة يشاء!

وها هي ذي بداية النهاية، أو نهاية البداية: رفح. لقد مُنح الكيان الصهيوني الإذن باستكمال مجازره وتهجير الشعب الفلسطيني، لكن برفق! فعليه، مثلاً، أن يؤمّن (ممرّات آمنة) قبل استكمال مجازره.. وما خفي كان أعظم!

فهل من حاجة إلى عنوان لما كُتب؟ ليس من حاجة إلى عنوان، بل هناك حاجة ضرورية لاستكمال الكتابة ومقاومة هذا الكيان وكل داعميه، بغض النظر عن تسمياتهم، بكل الأشكال الممكنة وصولاً إلى المقاومة العسكرية، وبعيداً عن أي قوانين دولية وغير دولية. فكل هذه القوانين تعمل لمصلحة هذا الكيان وداعميه! ولن يقوم بهذه المهمة النضالية المقاومة سوى الشعوب الحرة في العالم أينما وُجدت.

العدد 1104 - 24/4/2024