معادلة الفقر المربح.. تكريم قتلة الشعوب

فادي الياس نصار:

يعجُ التاريخ الأميركي بأسماءِ مجرمي الحروب، ومرتكبي المجازر بحق الشعوب، والى جانبهم تُدرج أسماء ناهبي الأمم ومدمِريها، بدءاً من مؤسس الولايات المتحدة الأميركية ” جورج واشنطن ” الذي لقبه هنود “السينيكا” بــ” هدام المدن ” بعد أن أمر بتدمير 28 مدينة من مدنهم الثلاثين، مروراً بالرئيس جيفرسون، الذي أمر وزير دفاعه بأن يواجه الهنود الذين يتصدون للتوسع الأميركي بالبلطة، وأن لا يضع هذه البلطة حتى يفنيهم، وصولاً الى الرؤساء المسؤولين عن الفظائع في فيتنام، فالرئيسين “بوش” (الأب والإبن) مجرميّ حروب الخليج.

ذاتهم الأميركيون الذين يخافون على حقوق الإنسان والديمقراطيات، كرموا مجرم الحرب، “ديلارد جونسون”، صاحب كتاب “آكل اللحم”، والذي قتل خلال خمسة أعوام خدمة في الجيش الأميركي، أيام حرب العراق، حوالي 2746 عراقياً، كبطل للحرب بــ37 ميدالية.
الجدير ذكره أن السفاح جونسون ذكر في كتابه أنه “ومنذ قدومه للعراق لم يكن يمر يوم واحد دون أن يقوم بقتل عراقي أو اثنين”.
وحين سألته مذيعة في قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، عن شعوره بعد قتله لهذا العدد الهائل من العراقيين؟، أجابها : “شعوري بعد قتل العراقيين أفضل من شعوري بعد قتل الغزلان عندما كان عمري 13 سنة”.

كما كرموا، ضابط المارينز “كريستوفر كايل”، الملقب بــ “الشيطان الرمادي”، والذي برع أيضاً، خلال الحرب على العراق، في قنص البشر، أطفالاً ونساء ورجالاً، بعدد من الميداليات والأوسمة، روى حكايته كتاب “قناص أميركي” الذي تحول إلى فيلم سينمائي.

الفُقر المُربح!!!.
يعتبر المستعمرين الجدد أن استباحة الدول وافقارها بنهب ثرواتها، والقضاء على حضاراتها، صفقة مربحة للغاية، بغض النظر عن الآلام والقهر الذي يبقى للشعوب المُستعمّرَّة، وفي هذا السياق يقول ادواردو غاليانو في كتابه الشهير “الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية”:
حتى الهنود المعزولين في أعماق الغابات لا ينجون، في أيامنا، ففي أوائل هذا القرن(يقصد الكاتب القرن العشرين)، كان لا يزال على قيد الحياة مئتان وثلاثون قبيلة (هنود حمر) في البرازيل، ومنذ ذلك الحين اختفت تسعون منها، محيت من على ظهر الكوكب بفعل وبفضل الأسلحة والميكروبات.
العنف والمرض هما السمات المتقدمة للحضارة وما زال الاتصال بالرجل الأبيض، يعني الموت. وما يحدث هو أنه كلما كانت هذه الأراضي البكر أكثر ثراء كلما أصبح الخطر الذي يتهدد حياتهم أكثر حدة؛ وسخاء الطبيعة يحكم عليهم بالسلب والجريمة. وقد انفلت زمام مذبحة الهنود في السنين
الأخيرة، بقسوة عارمة ؛ لأن أكبر غابات العالم، المجال الاستوائي الشاسع المفتوح للأسطورة وللمغامرة، قد تحول بغتة، إلى مشهد لحلم
أمريكي جديد. وفي سياق الغزو، انقض رجال وشركات من الولايات المتحدة على إقليم الأمازون كما لو كان غربا بعيدا جديداً. وقد اشغل
هذا الغزو الأمريكي الشمالي بصورة غير مسبوقة جشع المغامرين البرازيليين، يموت الهنود دون أن يتركوا أثرا وتباع الأراضي بالدولارات للمشترين الجدد. ويظهر الذهب والمعادن الوفيرة الأخرى، والخشب
والمطاط، هذه الثروات التي يجهل الهنود قيمتها التجارية، تظهر مرتبطة بنتائج كل واحد من التحقيقات القليلة التي أجريت. والمعروف أن الهنود
قد تعرضوا لنيران المدافع الرشاشة من الطائرات المروحية والطائرات
الصغيرة، وأنهم قد عرضوا لفيروس الجدري، وألقي الديناميت فوق
قراهم وأهدى إليهم السكر الممزوج بالأستركنين(مادة عالية السمة) والملح بالزرنيخ.
انتهى الاقتباس.

صمام الأمان، الشعوب الأصلية .

يهدد التغير المناخي قدرة البشرعلى تحقيق الأمن الغذائي، والقضاء على الفقر، وتحقيق التنمية المستدامة. فمنذ أواسط القرن الفائت، تضاعفت الكوارث الطبيعية ذات الصلة بالأحوال الجوية أكثر من ثلاث مرات.

وفي كل عام تتسبب هذه الكوارث في أكثر من 60000 وفاة معظمها في البلدان النامية.
نتائج الدراسة التي أجريت مؤخراً ،في جامعة نورث كارولينا، أشارت الى أن التغير المناخي، سيتسبب بوفاة 60 ألف انسان على مستوى العالم في العام 2030، وسيصل هذا الرقم الى 260 ألف حالة وفاة بحلول عام 2100.
السؤال هنا من يقف وراء كل هذه الفوضى على سطح الكوكب الأخضر؟.
لعل الجواب سيأتي في سياق الحديث عن أخر التطورات في البرازيل،
فبعد عودته الى سدة الرئاسة وعد الرئيس اليساري “لولا دا سيلفا” الهنود الحمر بحمايتهم وحماية أراضيهم في غابات الأمازون، بعد سنوات من عمليات قطع أشجار الغابات، متوحشة، في عهد “جايير بولسونارو” اليميني المتطرف (2019-2022)، إلا أن هذا التوجه لم يعجب الوحش في البيت الأبيض، فبدأ بتحريك اذنابه في البرلمان البرازيلي ليصوتوا على مشروع قانونٍ يحدّ من ترسيم أراضي السكّان الأصليين، مما يشكل خطراً كبيراً على الموائل الطبيعية في أكبر بقعة خضراء على كوكبنا، المسماة رئة الأرض(الأمازون)، وسيحصر الهنود الحمر ضمن مساحات صغيرة تخنقهم، وهنا بالضبط مربط فرس الكاوبوي الأميركي الأرعن…التخلص من الشعوب الأصلية للبلدان الغنية بالثروات، لإغراقها في بحر التخلف والتبعية كما يحدث اليوم في سوريا مع الأقليات (السريان،الأشور والايزيديين وغيرهم )…فهو يعلم أن هؤلاء أصحاب حضارات موغلة في التاريخ وهم صمام الأمان لاستمرارية تحضر وتطور الأوطان….نافلة القول اليوم أن مربط الفرس الأميركي في سوريا هو في الجزيرة السورية …فمن له أُذنان فليسمع.

العدد 1104 - 24/4/2024