خاطرة | التنوع والتعددية شرطان لقوة الثقافة.. هما شرط الحياة نفسها

يونس صالح:

إن تعبير التنوع والتعددية هو تعبير جديد عن ظواهر قديمة، بل ظواهر خالدة، لكن يبدو أن أحادية الرؤية عندنا، وزعم احتكار الحقيقة الواحدة، والرأي الصواب الواحد، خاصة في السياسة- هذه كلّها أدّت إلى التشبّث بالتعبير، فبدا جديداً برغم أنه قديم معتّق في الحياة كلّها، وتجليات هذه الحياة الموصوفة بالبنى الفوقية.

إن التنوع والتعددية هما صاحبا الفضل في استمرار الحياة على ظهر هذا الكوكب، وأهل البيولوجيا أو علوم الحياة والبيئة، والمهتمون بهذه أو تلك، يدركون الآن جيداً أنه لولا وجود أشكال عديدة من الحياة يرتبط وجود بعضها بالبعض الآخر، ما عاش وما استمر أيٌّ من أشكال هذه الحياة منفرداً، الأمر ذاته في السياسة، فالعيش على قالب واحد من النظر إلى أمور المجتمعات والبلدان، لم يؤدِّ إلا إلى الإفقار والانهيار.

أما في الثقافة، فالأمر بالغ الوضوح، فقد اغتنت الثقافة بالتنوع، ودعاة النهضة الفكرية والتنوير جلّهم من متعددي الثقافات.. التنوع والتعددية إذاً شرط لاستمرار الحياة، وتأكيدهما دفع لرحم هذه الحياة- أي قوّتها- على جميع المستويات. ومن هنا، من الضروري الاحتفاء بالتنوع والتعددية ولو بأشكال غير مباشرة. في استطلاع غير بعيد جرى في إحدى البلدان الأوربية تحت عنوان (استنفار الذاكرة) تم التأكيد على خطورة تناسي التنوع والتعددية وجمالهما وحيويّتهما وقوّتهما.

إن ملخص ما حدث من جرائم متعصبي الرأي في بلداننا العربية كانت اعتداء منحطاً للتعصب الأحادي الرؤية على رقيّ التنوع والتعددية وجمالهما – روحياً وثقافياً- ومن المغرب إلى سورية والعراق تتحرك الأبحاث واستطلاعات الرأي عن مفاتيح موطن الحضارة القديمة، من أجل تفهّم أفضل لتنوع المناهل الثقافية في بلداننا وتعدديّتها.

إن التنوع والتعددية إذاً هما شرط لقوة الثقافة، ويرفعان الحواجز أمام إدراك جديد لوهن الأحادية، ومن ثم لتكريس قوّتهما، قوة الحياة نفسها.

العدد 1104 - 24/4/2024