أحرفٌ تخشى أن تجتمع

وعد حسون نصر:

العدالة المبعثرة بين زوايا الظلم، في بيوت المسحوقين بعجلات القهر، في أزقّة العشوائيات المنفيّة في الضواحي، بين يدي عجوز ترتجفان للحصول على لقمة خبز مُغمّسة بشتائم باعة وجدوا أنفسهم فجأة مسؤولين عن عدد أرغفة وجبتنا، عدالة محجوبة بجدار فصل عنصري بين مدينة وريف، وحارة وأسياد، ومستنقع عبيد!

مع كل هذا القهر لا يمكن أن تجتمع أحرف العدالة، فكيف لها أن تجتمع وهناك شعوب هُجِّرت في مختلف أصقاع الأرض، وشعوب أخرى تُردم يومياً تحت الأنقاض بعشرات الغارات ظلماً وعدواناً. فإذا كانت العدالة بشكل عام، والعدالة الاجتماعية بمفهومها الخاص هي العدالة في توزيع الثروة، والفرص، والامتيازات، داخل المجتمع سواء في الحضارة الغربية أو في الحضارات الآسيوية القديمة، كذلك يُشير مفهوم العدالة الاجتماعية إلى ضمان قيام الأفراد بأدوارهم المجتمعية والحصول على ما يستحقونه في المجتمع، فأين نحن من تطبيق هذا المفهوم علينا؟ إذا كُنّا مُصنّفين ضمن طبقات، أبسط مثال (ريف ومدينة) من حيث المُخصّصات سواء بالكهرباء أو وقود التدفئة أو مُخصّصات الحصة التموينية للمواد الغذائية؟ كذلك أين المحبة المفقودة بيننا إذا كانت العدالة الاجتماعية تقوم على المحبة بين أبناء المجتمع وتمنّي الخير للآخرين كما نتمنّاه لأنفسنا؟ بل أين احترامنا وضمان كرامتنا وتحقيق مبدأ المساواة بين أبناء المجتمع من قبل المسؤولين عن هذا؟ وبالتالي، كيف لنا أن نُنادي بعدالة غادرتنا مع أول صفعة على وجوهنا من عنصر بعمر أبنائنا؟!

لطالما كان مبدأ الإنصاف غائباً في مجتمعنا؟! لا يوجد لدينا شيء اسمه عدالة اجتماعية، وما دمنا لسنا شركاء بثروات الوطن لا يمكن أن تقوم عدالة ولا يمكن تحقيقها. ففي المنطقة العربية خاصة، ما دام في المجتمع تفاوتٌ طبقي وعميق أحياناً، فلا يمكن لهذه العدالة أن تتحقق.

لذلك ولكي تتحقق العدالة الاجتماعية لابدَّ من نشر الوعي وخاصةً بأهمية قضايا العدالة ومفاهيمها، وهذا لن يتحقق إلاّ من خلال التربية والتعليم ووسائل الإعلام المختلفة، لأن الوعي هو الخطوة الأولى نحو تحقيق أي تغيير اجتماعي داخل المجتمعات وبين الشعوب، إضافة إلى مناهضة جميع أشكال التمييز والعنصرية، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات والتشريعات، وتوفير فرص متكافئة أمام الجميع في البلاد. فلكي نقول إن هناك عدالة اجتماعية ويمكن تحقيقها، لابدَّ أن نسعى لتعزيز المساواة والإنسانية والمحبة والرحمة بيننا كأفراد مجتمع تحكمه قوانين وأنظمة قائمة على مبدأ التشاركية والتعاون وتبادل الخبرات والاستفادة منها، وأن نتساوى في الحقوق والواجبات وفرص العمل والتأمين الاجتماعي والضمان الصحي وغيره، ما يجعلنا متساوين كأفراد في مجتمع واحد. أيضاً، أن تُقسّم ثروات البلاد بيننا بالتساوي، وإذا زادت نسبة شخص عن الآخر يكون بما يستحق ونتيجة بذل جهد أكثر وعطاء أكثر لا العكس، بمعنى أن من يجلس مُسانداً الجدار يُعامل بشكل أفضل ممّن يغرس أظافره بتراب الأرض لبذر قمحه الذي سيجنيه سنابل خير وعطاء، فيصنع دقيقه ليُطعم غيره ومن ثمّ يأكل.

من هنا أخلد للقول إنه لا عدالة يمكن أن تسود بلادنا ما دمنا مُصنّفين ضمن درجات، ولكي نصعد آخر الدرج علينا أن ندوس على كل من كان تحتنا كما هو حاصل اليوم!! فلتحقيق العدالة المنشودة اجعلوا بين الدرجات فواصل لأقدام المُتسلقين ودعوهم يدوسون بعضهم بعيدين عن رؤوسنا، فنحن نريد أن نصعد بسلام درجةً درجة لنصل بأمان إلى حقوقنا.

العدد 1104 - 24/4/2024