الخبز.. في التاريخ كان مؤشراً للاستقرار وفي الحاضر محرضاً للدفاع عن الوجود

(النور):

لن نغوص عميقاً في دروس التاريخ القديم والحديث لننبش عن وقائع كبرى كان الخبز والغذاء المحرك الأساسي لحدوثها، وبعضها غيّر مجرى التاريخ.

ولن نطيل في الإشارة إلى إدراك الرئيس الراحل حافظ الأسد القوّة الرمزية لرغيف الخبز، الذي يختصر (الأمن الغذائي)، إذ أصرّ على البدء بمسيرة طويلة أتمّها بتأمين مظلّة واقية.. فعّالة تجنّب المواطن السوري معاناة الحصول على لقمة عيشه، بل ودوائه المصنّع هنا في بلادنا وبأسعار في متناول الجميع، رغم الصعوبات التي مرّت بها سورية آنذاك.

لكننا نذكّر هنا أيضاً بما قاله عُتاة الساعين إلى الهيمنة لا على مصائر شعوب العالم فقط، بل حتى على حبّة الحنطة في معاجنها.

يفصح تقرير قُدِّم إلى الكونغرس في عام 2005، أعدّته لجنة متخصصة، أن الولايات المتحدة لا تستطيع الضغط أكثر على سورية التي رفضت غزو العراق، فالنظام في هذا البلد لديه قطاع دولة يقود العملية الاقتصادية، ويؤمّن لمواطنيه السلع الغذائية الرئيسية.

أما المستشارة الأمريكية كونداليزا رايس، التي وضعت أمام الإدارة الأمريكية خطوات الهيمنة الشاملة على المنطقة العربية، فقد أجابت بعصبية استفزّت الحضور في مؤتمر صحفي عام 2006 على سؤال أحد المراسلين: لماذا لا تمارسون ضغطاً أكثر على القيادة السورية؟ أجابت: (إنهم ينتجون محصولاً وفيراً من القمح).

لذلك كان القول السائد (الخبز خطٌّ أحمر) يعبّر.. ومازال يعبّر عن إصرار الحكومات على تأمين الغذاء، بأسهل الطرق، وأقلّها كلفةً للمواطنين الذين ترفع أيديهم أعمدة البناء والصناعة والزراعة، وتضحي بأغلى ما لديها للدفاع عن وطن يقدم لهم عوامل البقاء والاستمرار، بل والتطوير المستمر لحياتهم.

في سنوات الأزمة.. وفي مواجهة محاولات غزو سورية بأدوات الإرهاب المدعوم من تحالف دولي قادته الولايات المتحدة، ومع الحصار، والضغوط السياسية والاقتصادية، قدّم الشعب السوري، وبخاصة فئاته المتوسطة والفقيرة، تضحياتٍ تُفرد لها صفحاتٌ في سِفر المآثر الكبرى، فقد وقف السوريون خلف جيشهم الوطني في مواجهة الإرهابيين وداعميهم، واستعادوا معظم الأرض السورية من الإرهابيين، وهيّؤوا مناخاً محرّضاً على بدء عملية الاستقرار الاقتصادي والمعيشي، وتفاءلوا بغدٍ ليس ببعيد، سيَطردون فيه من الأرض السورية الاحتلالَ الصهيوني والأمريكي والتركي، ويرسمون مستقبل بلادهم، آخذين بالحسبان دروس الأزمة ومحاولة الغزو الإرهابي، مؤكدين أن وحدة سورية أرضاً وشعباً هي حجر الأساس.

لكن تضحيات المواطنين السوريين المستمرّة لم يقابلها تفهّمٌ حكومي لطبيعة المرحلة وصعوباتها، وبدلاً من أن تجترح الحكومات المتعاقبة حلولاً وطُرقاً للتخفيف من تداعياتها، فإنها استسهلت اللجوء إلى الحلول التي أدّت إلى زيادة معاناة من دفعوا الدم ثمناً لتراب الوطن، فعمدت إلى زيادة إيراداتها من جيوب هؤلاء الذين دُفعوا دفعاً إلى خانة الفقر.

ماذا تفعلون أيها السادة في حكومتنا؟!

ولماذا تصرّون على دفع السوريين إلى هاوية الفقر المدقع؟

إن رفع أسعار السلع التي كانت مدعومة في الماضي لا يمكن تبريره إلا بإعلان الحكومة عن عدم مسؤوليتها عن خبز المواطن السوري ودفئه ودوائه!

ولن تعوّض زيادةُ الرواتب عن هذا الرفع، ولن تخفّف من وقعه المأساوي!

إنه إعلان واضح وصريح عن إلغاء أيّ خطوط حمراء أو ملوّنة، إنه إمعانٌ في إفقار نحو 85% من المواطنين السوريين الذين أصبحوا اليوم في قاع هاوية الفقر.

وما زاد في غضب المواطنين نشرُ حزمة من الأرقام، عبر المصادر الحكومية، فدعم الدقيق يصل سنوياً، حسب هذه المصادر، إلى نحو 14 تريليون ليرة، أما المواطن فيحصل على 2.5 رغيف يومياً!

أما دعم القطاع الكهربائي فيصل، بحسب الأرقام الحكومية، إلى نحو 17.5 تريليون ليرة سنوياً، في الوقت الذي يحصل فيه المواطن، في أحسن الأحوال، على ساعتين لا أكثر من الضوء يومياً!

أهذا هو (إيصال الدعم إلى مستحقّيه)؟

إننا في الحزب الشيوعي السوري الموحد، نعارض رفع سعر الخبز وجميع السلع التموينية الضرورية، وندعو للمرة الألف إلى مؤتمر اقتصادي يضم جميع خبراء الاقتصاد في البلاد وجميع القطاعات المنتجة في القطاعين العام والخاص، لوضع خطة مشتركة لإنهاض الاقتصاد الوطني، وإنهاء المعاناة المعيشية التي تحولت إلى وضع مأساوي، ستترك تداعياته تأثيراً مدمراً على المستقبل السوري.

إن إنهاء معاناة المواطنين السوريين يشكّل الضمانة الرئيسية لمواجهة الاحتلال للأرض السورية، ويمهّد السبيل ويهيّئهم لإعادة البناء المأمولة، والتساهلُ في إنهاء هذه المعاناة يعني الذهاب إلى المخاطر الأكبر.

العدد 1104 - 24/4/2024