التشاركية.. كيف؟ وأين؟!

كتب رئيس التحرير:

التشاركية صارت، في نظر الحكومة، هي المصباح السحري.. هي المنقذ، في الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي تواجهها بلادنا. لقد اختصروا أدوات تنمية الاقتصاد والمجتمع بـ(التشاركية)، وأصبحت في عرف جميع مسؤولي الاقتصاد الوطني، هي الحل الأمثل لصعوبات المرحلة، وهكذا أشركت الحكومة القطاع الخاص في الاتصالات والكهرباء والتعليم والفحص الفني للمركبات، وهي خدمات أساسية كانت توفرها الدولة، تنفيذاً لبنود الدستور، وأيضاً لمبدأ الدولة الراعية، في الوقت الذي تعاني فيه الصناعة والزراعة معضلات لا حصر لها في ظل الحصار، مما أدى إلى زيادة المعاناة المعيشية للمواطنين، بسبب ارتفاع أسعار جميع السلع الأساسية المستوردة.

من البديهي أن تضع أية دولة في العالم أوليات لاستثماراتها العامة والخاصة، تنسجم مع المرحلة التي يمر بها اقتصادها، وهذا ما يُسمّى في عالم الاقتصاد بتوجيه الاستثمارات.

في العقدين الماضيين شجّعت الحكومات المستثمرين.. وأصحاب الرساميل العربية والأجنبية، فتوجهت هذه الاستثمارات إلى القطاعات الريعية، لكننا لم نتلمّس جهداً موازياً لتطوير الصناعة السورية بقطاعيها العام والخاص، ومساعدتها- خاصة في القطاع العام– لتحديث وسائلها التقنية، وتطوير قدراتها الإنتاجية، بل أكثر من ذلك، فتحت الحكومة أبواب الاستيراد أمام المنتجات القادمة من أصقاع الأرض لمنافسة صناعتنا الوطنية في عقر دارها، في وقت كانت الصناعة السورية في القطاعين العام والخاص تحتاج فيه إلى دعم الدولة للوقوف على قدميها.

لقد تسببت الأزمة التي عصفت ببلادنا بأضرار بالغة لقطاعات الإنتاج والرساميل والمصارف والاستثمارات، وتراجعت مؤشرات الاستهلاك والادّخار، أي بكلمة واحدة تراجعت جميع المؤشرات الاقتصادية، وخاصة في ظل الحصار الاقتصادي الجائر الذي فرضته الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها على سورية، لذلك نعتقد أن جوهر مبدأ التشاركية في الوقت الراهن عليه أن يتسع لمضامين أوسع، تأخذ بالحسبان لا المشاركة بين الدولة والقطاع الخاص المنتج في هذا المصنع أو ذاك، هذه المحافظة أو تلك، بل يتسع ليشمل شراكة حقيقية من أجل إعادة إنهاض الاقتصاد السوري وقطاعاته المنتجة، وخاصة الصناعة والزراعة وبنيتهما التحتية، فهما عماد التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والنشاطان الرئيسيان لفئات المجتمع السوري المختلفة، ويستأثران بالنسبة العظمى من اليد العاملة السورية، ويساهمان بالحصة الكبرى من الناتج المحلي الإجمالي، وتعتمد على إنتاجهما قطاعاتُ التصدير السورية وشبكةٌ واسعة من النشاطات الحرفية، كذلك فهما يشكلان السند الرئيسي لإيرادات الخزينة العامة.

أما الشرط الرئيسي لنجاح التشاركية في الظرف الراهن، فهو أن يجري ذلك على أساس خطة حكومية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمتوازنة والمستدامة، وأن تُكلَّل المساعي الدولية والداخلية لإنهاء الأزمة السورية عبر الحلول السياسية بالنجاح، فدون ذلك لن يوجد الاستقرار الذي يعد العامل الأساسي لنجاح السياسات الاقتصادية المستقبلية.

في العقدين الماضيين، تبيّن بشكل جليّ أن ملكية الدولة، وإدارتها للقطاع العام الاقتصادي والمرافق الحيوية (كالكهرباء والمياه والموانئ والمطارات والطرق) كانتا محطّ أنظار بعض مهندسي الاقتصاد السوري الذين يعتقدون أن هذه الملكية، وتلك الإدارة، تقفان عائقاً أمام سيادة السوق.. وقوانين السوق، وشاركهم في ذلك فئاتٌ من المستثمرين المحليين والأجانب الذين رأوا في قطاع الدولة هذا حلماً للوصول إلى الجمهور الأوسع.. والربح الأعلى.. والسيطرة الاقتصادية.. وربما السياسية المطلقة!

أمّا التشاركية بهدف الخصخصة.. وتخلّي الحكومة عن دورها الرعائي للفئات الفقيرة، وابتلاع القطاع العام والمرافق الحكومية، فنراها، نحن في الحزب الشيوعي السوري الموحد، انسياقاً وراء المخططات التي رُسمت في الماضي، وتُرسَم اليوم لأخذ سورية من الداخل.. من بوابة إثارة غضب جماهير الشعب السوري الذي يعاني اليوم ظروفاً معيشية واجتماعية مأساوية.

نذكّر الحكومة بإجابة (كوندوليزا رايس) مستشارة الأمن القومي، وعرّابة الاستباحة الأمريكية للمنطقة العربية عن طريق (الثورات الملوّنة) على أسئلة الصحفيين في عام 2006، بعد رفض سورية الغزو الأمريكي للعراق: لماذا لا تمارسون ضغطاً أكبر على الحكومة السورية؟ أجابت:

لأن الحكومة السورية لديها محصولٌ وافرٌ من القمح، ولديها قطاع دولة اقتصاديّ يؤمّن احتياجات المواطن السوري!

 

العدد 1104 - 24/4/2024