تمرُّد ونذر حرب أهلية في الولايات المتحدة

د. صياح فرحان عزام:

(تكساس) هي ثاني أكبر الولايات في الولايات المتحدة مساحةً بعد ولاية (ألاسكا)، وسكاناً بعد ولاية (كاليفورنيا)، وقد انضمّت إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1845 باعتبارها الولاية الثامنة والعشرين، وكانت تكساس جزءاً من المكسيك ثم ثارت عليها عام 1835، وأسس التكساسيون جمهورية عام 1836، أي أنها بقيت دولة ذات سيادة من عام 1836 إلى 1845.

والآن تقرر ولاية تكساس تحدّي الحكومة الفيدرالية، وترفض نشر حرس الحدود الفيدراليين في منطقة (إيغل باس) على الحدود مع المكسيك لإزالة الأسلاك الشائكة التي وضعها مسؤولو الولاية لمنع تدفق المهاجرين إليها الذين وصفهم حاكم الولاية غريغ أبوت بـ(الغزاة)، وهذا يعني أن العلاقات مع الولايات الفيدرالية تواجه أزمة حقيقية، وأن ما كان يجري التحذير منه بخصوص تمرد بعض الولايات ووجود نذر حرب أهلية يلوح في الأفق، ليس أمراً بعيداً عن الواقع.

وسبب هذا الخلاف بين الولاية الأمريكية الجنوبية والحكومة الفيدرالية هو الصراع القائم حول قانون الهجرة بين الجمهوريين والديمقراطيين، وقد اتخذ زخمه خلال المعركة الرئاسية التي يبدو أنها سوف تنحصر بين الرئيسين الديمقراطي الحالي بايدن والرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.

لقد رفض حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت قرار المحكمة العليا السماح لحرس الحدود بإزالة الأسلاك الشائكة، وتضامن معه خمسة وعشرون حاكماً من حكام الولايات الخاضعة لحكم الجمهوريين وتعهدوا بدعم الولاية للدفاع عن نفسها، وقالوا في بيان مشترك (نحن نفعل ذلك لأن إدارة بايدن ترفض تطبيق قوانين الهجرة الموجودة بالفعل، وتسمح بشكل غير قانوني بالإفراج المشروط الجماعي عن الذين دخلوا البلاد بشكل غير قانوني).

وهذه الولايات المتحدة تلبي – على ما يبدو- دعوة الرئيس السابق ترامب إلى مكافحة الهجرة غير النظامية على الحدود الجنوبية وفق وجهة نظر المعارضين لها، وهذا يعني التمهيد لموجة أعاصير سياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية قد تضرب البلاد وتمهد لحرب أهلية، لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية مع تصاعد الدعوات الانفصالية في أكثر من ولاية، خاصة تلك التي ترى أنها مثقلة بأعباء ليس لديها قدرة على مواجهتها وتحملها.

والجدير بالذكر أن المدن الأمريكية على الحدود مع المكسيك التي يبلغ طولها 3100 كيلومتر، تواجه تدفقاً من أمواج المهاجرين الذين يبلغ عددهم نحو عشرة آلاف يومياً خلال الأشهر الأخيرة، الأمر الذي أعاد بقوة إلى الساحة السياسية شبح الحرب الأهلية ونبش الماضي.

غني عن الذكر أيضاً، أن ولاية تكساس ليست حالة معزولة عن تنامي التوجهات الانفصالية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، إذ إن كاليفورنيا تشكل حالة مماثلة، فقد شهدت خلال السنوات القليلة الماضية دعوات للانفصال أو التقسيم، رغم أن الدستور الأمريكي لا يعترف بحق الولايات في الانفصال، لكن هذا لا يمنع من المطالبة بذلك من قبل ولايات يريد أبناؤها الانفصال لأسباب مقبولة، وبالتالي قد تؤدي مثل هذه الحركات التي تطالب بالاستقلال أو بالانفصال إلى أعمال عنف، ومما يؤكد مثل هذه الرغبات والتحركات ما قالته مونيكا توفت (أستاذة السياسات الدولية بكلية فليتش بجامعة تافتس في بوسطن): (إن الولايات المتحدة الأمريكية ليست بمنأى عن الحروب، خاصة أن ذكرى الحرب الأهلية التي جرت في الفترة مابين 1861 و1865، وما أدت إليه من ضحايا تجاوز عددهم ستمئة وعشرين ألفاً مازالت تمثل هاجساً متجدداً للأمريكيين الذين يخشون تكرارها في هذه الأيام، وخصوصاً مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية والتنافس الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين.

باختصار.. إن مظاهر عدم استقرار الداخل الأمريكي واضحة، وكذلك نمو النزعات الانفصالية وتصاعدها في عدة ولايات أمريكية، وهذا ما يجمع عليه عدّة باحثين.

العدد 1104 - 24/4/2024