حول الإنفاق العسكري في دول الخليج

يونس صالح:

تشير ميزانيات الدفاع لدول الخليج إلى أن شعار بندقية لكل مواطن أو بنادق للجميع شعار حقيقي تعبر عنه الأرقام.. وتعود الذاكرة للوراء نحو ثلث قرن لتقول، وقد أصبح الحال غير الحال، إنه جرت مياه كثيرة، وتراوحت سرعة المياه بين مدّ وجزر، حروب عدة، وصراعات دامية، في منطقتنا.

لقد ظن العالم في بداية التسعينيات من القرن الماضي، أن الحرب الباردة قد أغلقت أبوابها، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وأن ميزانيات الدفاع ستتراجع، وأن الأمم ستسير باتجاه التنمية ورفاه الإنسان.

ولكن ما إن مرت سنوات قليلة، حتى عادت الأمور إلى مجاريها، صراعات متزايدة وتسليح وإنفاق عسكري متصاعد.. بلغت نسبته في بداية القرن الحادي والعشرين أكثر من 6%، وبحجة محاربة الإرهاب زادت هذه النفقات في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة أكبر.

هكذا كان الموقف عالمياً، لكنه في الخليج كان شيئاً آخر، فقد استمر التزايد بنسب أعلى ولأسباب أخرى غير الإرهاب.

لم ينعم الخليج بحلم السلام والتنمية لأكثر من ست أو سبع سنوات، بدأت بقفزة أسعار النفط عام 1973، وبعد ذلك شهدت تلك المنطقة ثلاث حروب: حرب العراق التي استمرت ثماني سنوات متصلة، وحرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي واستمرت لمدة خمسة شهور تبعتها سنوات طويلة من الآثار السلبية، ثم جاءت بعد ذلك الحرب مع العراق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، والتي استمرت نحو ثلاثة أسابيع.. وإن بقيت آثارها المدمرة ممتدة، لم يسلم الخليج من شظايا الحرب، ومن لم تُصِبه النيران يصبه دخانها.

هكذا كان الموقف في دول الخليج، وبالتالي فإن الحجة والسبب في ازدياد الإنفاق العسكري في تلك المنطقة يعود بالدرجة الأولى لمناخ عدم الاستقرار أكثر من ارتباطه بوفرة الموارد التي اهتزت خلال الحقبتين الأخيرتين بسبب انخفاض أسعار النفط. وطبقاً للتقارير الصادرة عن دول الخليج، وعن مراكز الدراسات الدولية، فإن دول مجلس التعاون قد أنفقت مئات المليارات على التسلح خلال مدة لا تتجاوز سبع سنوات، وبطبيعة الحال فإن الأرقام المجردة لا تفيد، فالأهم من حجم الإنفاق هو نسبته لدخل الشعب، وما إذا كانت النسبة عالية أم منخفضة. فإذا طبقنا هذا المعيار، فقد سجلت ميزانية الدفاع في عام 2010 نحو 17% من الناتج المحلي في السعودية على سبيل المثال، وتأتي بقية بلدان الخليج أيضاً، التي زادت نسبة نفقاتها بالمقدار نفسه تقريباً، بينما بقيت النسبة في إيران نحو 6% فقط، بيد أن المفارقة الكبرى تبدو مما أسمته الأرقام أي (نصيب الفرد من هذا الإنفاق)، فقد سجلت الكويت أعلى متوسط سنوي للإنفاق للمواطن الواحد في عام 2010 (2514 دولار).

السؤال المطروح: أي قدر من الروابط الدولية صنعها ذلك الإنفاق العسكري؟ هل توجه الإنفاق لدولة واحدة تتربع الآن على عرش تصدير الأسلحة وهي الولايات المتحدة، أم أن التنافس كان قائماً بين موردي الأسلحة من الدول المختلفة، والميل كان قائماً لدى دول الخليج لتنويع مصادر السلاح.. تبين التقارير الدولية أن نصيب الولايات المتحدة هو الأكبر، وأنه لا يقارن مع نصيب الآخرين.. لكن حساب القوة كما يؤكد الخبراء العسكريون لا يرتبط دائماً بحجم الأسلحة، وإنما بنوعيتها، ومع ذلك فإن ما يلفت النظر هو:

أولاً- أن محاولة توفير نفقات عالية للدفاع لم تصحبها درجة أعلى من الأمن القومي..

وثانياً_ أن إيران وبموازنات أقل قد استطاعت أن تحتفظ بقوة عسكرية كبيرة، وأنها قد انفردت بالولوج إلى مجال (التصنيع العسكري).

وثالثاً_ رغم الحرص على بناء الجيوش، فإن التوازن الإقليمي مازال محل سؤال.

فما المستقبل إذاً؟

سؤال حائر.. وإن كان التوقع استمرار معدلات الإنفاق العسكري، فما بُني من جيوش- أيّاً كان حجمها- وما استجدّ من متغيّرات، يدفع إلى الأمام ولا يدفع للخلف.

لقد سقط الخليج في بئر (الأمن) الذي يتناقض بالضرورة مع (جبل) التنمية والبناء الذي تجري المحاولة لصعوده، إلا أن رياح الداخل والخارج تجذبه إلى الوراء.

العدد 1104 - 24/4/2024