فرعون مُحدّث هزلي

د. أحمد ديركي:

من الأمثال الشعبية المقولة وما زالت تحمل الكثير من المعاني والرموز الضمنية، غير المباشرة، المثل القائل: (أنا ربّكم الأعلى فاعبدون). وهو قول ينسب إلى فرعون للتعبير عن عظمته وجبروته في الآن عينه.

واسم فرعون أشهر من أن يعرّف، إلى أن ارتبطت حضارة بأكملها باسمه، الحضارة الفرعونية. بعيداً عما إذا فرداً واقعياً أو أسطورة من صنع الخيال. أو مجموعة أفراد حملت الاسم عينه بمعانٍ متعددة. فهذا الأمر منوط بالمختصين بحقول الجغرافية والتاريخ والآثار لتوضيح كلمة فرعون وشرح معناها وحقيقة وجوده.

ما يعنينا هنا أن هذا المثل الشعبي يقال لوصف شخص متجبر متعال لا يصغي إلى أحد. شخص يفرض قوله على كل من هم أدنى منه، وما على البقية سوى الطاعة العمياء والتنفيذ. كيف لهذا ألّا يكون هو (الرب الأعلى)؟!

وما دمنا في عالم فرعون، والفراعنة، والأساطير المتعددة حولهم، أساطير ممزوجة بواقع حقيقي لا يمكن نكرانه بدلالة الآثار القائمة حتى تاريخه، أمر أبقى المثل الشعبي قائماً ليعبّر كل واقع عن حالة شخص مماثلة لشخص فرعون، سواء كان هذا الشخص إنساناً عادياً، لكنه يملك مركزاً اجتماعية ما، أباً أو أخاً أكبر متسلّطاً في عائلة، أو شخصاً يملك موقعاً وظيفياً ما في شركة، وبخاصة إن كانت عملية توظيفة نتيجة واسطة من شخص (مرموق اجتماعياً)، فكيف إن كان توظيفة نتيجة واسطة سياسية؟

بمعنى آخر (الفَرْعَنة) لا تقتصر على شكل واحد ونمط واحد، بل لها هرمها (الفرعوني)، مثلها مثل الأهرامات الفرعونية في مصر. في قاعدته هناك فرعون الأصغر، فرعون صغير يتمثل في العائلة النواتية أو الممتدة، وفي وسط الهرم فرعون أكبر يتمثل بموقع وظيفي ما، وعلى رأس الهرم يتربع فرعون الأكبر، ويتمثل برأس الهرم السياسي.

يبقى السؤال: هل يوجد اليوم فراعنة على رأس الهرم رغم أننا نعيش بأنظمة (ديمقراطية)، سواء كانت ديمقراطية (حقيقية) أو شكلية؟

حالياً يبدو أننا نعيش بعالم الفراعنة على رأس الهرم السياسي، وبخاصة في عالم الديمقراطيات. تلك الديمقراطيات التي تدّعي أن من واجبها (دمقرطة) العالم! فكان أول فعل (دمقرطة) قامت به غزو العراق وتدميره ونهب نفطه، وكرّت السبحة من بعده. وما كان لها أن تفعل هذا إلا بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي، وتفرّدها في (دمقرطة) العالم وفقاً لأهوائها ومصالحها.

المستغرب في العملية الفرعونية المُحدّثة هو التبعية العمياء لفرعون (الدمقرطة). فالجميع يقف بأسفل الدرج وفرعون يقف في أول الدرج ويخطب بهم وهم ينفذون! ومن ثم يذهب كل واحد من الفراعنة الصغار إلى مقاطعته، عفواً دولته، ليطبق أقوال فرعون الأكبر. والمضحك المبكي في هذا الأمر أن جميعهم يطبق أفعاله في (الدمقرطة) في مقاطعته وفقاً للنموذج الأعلى!

وها هي ذي فلسطين، والشعب الفلسطيني المقاوم، يحاول أن يقول لكل الفراعنة، الصغار والكبار: نحن نرفض قرارات فرعون، صغيراً كان والياً لمقاطعة، أو كبيراً. وما أكثر الأمثلة المقاومة وما أكثر الأمثلة الفرعونية! فعلى سبيل المثال لا الحصر، فرعون صغير، والي على مقاطعة أسماها باسم عائلته، يقول لن نطبع مع (إسرائيل) إلا بعد بدء التفاوض على حل الدولتين، ويطلق موسم مهرجانات الرياض! وفرعون آخر في مقاطعة أخرى، له السلطة الكاملة على معبر رفح ولا يأمر بفتحه، وفرعون آخر هنا وفرعون آخر هناك وكلٌّ يطبق أوامر فرعون الأكبر على طريقته. فقد قرّر فرعون الأكبر عدم وقف إطلاق النار واستكمال دعمه لهذا الكيان الوحشي المصطنع حتى تطبق قراراته.

في المقابل، هناك مثل شعبي آخر له علاقة بفرعون، يقول: من فرعنك يا فرعون؟ الإجابة: تفرعنت فلم أجد من يردني. وهنا يأتي الرد ففرعون تفرعن لعدم وجود من يقول له: قف. فالجميع، أي الفراعنة الصغار يقولون سمعاً وطاعة، ويعملون على تنفيذ أوامر فرعون الأكبر. إلا الشعب الفلسطيني، وكل الشعوب المقاومة لفرعون الأكبر والفراعنة الصغار يقولون لجميع الفراعنة، صغيرهم وكبيرهم: لا تستطيع أن تستعبدنا، فنحن أحرار العالم وما دمنا نقاوم لن تكون فرعون مجدداً، ولو بصيغتك المُحدّثة لأن التاريخ لا يعيد نفسه، وإن أعادها فإنه يعيدها بشكل مهزلة. أي فرعون المُحدّث، النسخ الصغيرة والكبيره منه، مجرد صيغ هزلية لفرعون الأساسي. وما يجعل من هذه النسخ نسخاً هزلية هي مقاومة الشعوب الحرة لهم.

العدد 1104 - 24/4/2024