أحفاد مانديلا يقاضون الإجرام

د. صياح فرحان عزام:

مؤخراً، خاضت دولة جنوب إفريقيا (في 11 و12 كانون الثاني 2024) معركة قضائية وسياسية ضارية في محكمة العدل الدولية، لا تقلّ ضراوة عن حرب الإبادة الصهيونية في قطاع غزة، هذه المعركة تعدّ، بحقّ، معركة العالم قبل العرب ضد كلّ أشكال العنصرية والتمييز العنصري وجرائم القتل والبطش والمذابح التي تُرتكب ضد الأبرياء.

نعم، إنها، بامتياز، معركة من أجل الحرية والعدالة والحقوق المشروعة التي اغتُصبت بالقوة، ولا شك بأن هذه المسؤولية الجسيمة التي تحمّلتها جنوب إفريقيا، إنما هي تعبر عن إحياء لإرث نضالي طويل وعريق للزعيم نيلسون مانديلا، الذي قضى سبعة وعشرين عاماً في سجون الفصل العنصري، وخرج إلى الحرية عام 1990 حاملاً راية الحرية، ومؤكداً (أن حرية جنوب إفريقيا لن تكتمل من دون حرية الشعب الفلسطيني).

إذاً، أحفاد مانديلا يكملون الرسالة التي حملها ويترجمونها من جديد على أرض الواقع، في مواجهة أعتى حرب إبادة يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ نكبته الأولى عام 1948.

لقد تضمنت المذكرة الجنوب إفريقية المقدمة إلى المحكمة الدولية تحت عنوان (التعبير عن نية الإبادة الجماعية)، تضمّنت عرضاً لتصريحات فاشية وتعليقات علنية لمسؤولين صهاينة وجنود إسرائيليين وأعضاء كنيست وصحفيين من الكيان، منها على سبيل المثال:

– ما كتبه وزير التراث عميحاي إلياهو في الفيسبوك على حسابه: (قطاع غزة اليوم أجمل من أيّ وقت مضى، كل شيء فيه يتم تفجيره وتسويته بالأرض، متعة خالصة للعين، يجب أن نتحدث.

– ما قاله وزير الخارجية يسرائيل كاتس على منصة (إكس): (آمر جميع السكان المدنيين في غزة بالمغادرة على الفور.. سنفوز.. لن تصلهم قطرة ماء ولا بطانية واحدة ولا سلة غذاء حتى يرحلوا عن العالم).

– أما النائب عن حزب الليكود نسيم ماتورين فقد قال: (الآن يوجد لدينا هدف مشترك واحد للجميع، وهو محو قطاع غزة عن خريطة العالم).

– تصريح وزير الأمن في كيان الاحتلال مع بداية عملية طوفان الأقصى، الذي دعا فيه إلى قصف قطاع غزة بالسلاح النووي.

إذاً، تصريحات تفوح منها رائحة الحقد والدم والإجرام.

ولكن مذكرة جنوب إفريقيا المؤلفة من أربع وثمانين صفحة، والتي استندت إلى المادة 41 من قانون المحكمة الذي صدر عام 1948، ردت بعقلانية وهدوء على كل تلك المزاعم، وحسب تقييمات خبراء قانونيين محايدين ومخضرمين (أبدعت) في تقديم ملفّ متقن ومبني على براهين وأدلة دامغة في إطار قانوني يفوق التصور، لإثبات قبول الدعوى المرفوعة للمحكمة، وقد تمكن المراقبون من فريق محامي جنوب إفريقيا من تعرية الممارسات الصهيونية الإجرامية المرتكبة في غزة، عبر تقديم وثائق وصور حية، وتصريحات حاقدة ووقحة لمسؤولين في كيان الاحتلال يطالبون بالمزيد من المذابح والتهجير القسري، إضافة للتطرق إلى الحصار الجائر على غزة منذ 17 عاماً.

والجدير بالذكر أن فريق الكيان الصهيوني فشل أمام المحكمة في الرد على ما جاء في المذكرة الجنوب إفريقية، وراح يصف ما جاء فيه بـ(الهراء والكذب)، وتبعته الأوساط الأمريكية السياسية والإعلامية في ترديد هذا الوصف الكاذب.

باختصار، جنوب إفريقيا وضعت العالم بأسره أمام مشهد جديد من مشاهد الحرب على المستويين القضائي والسياسي، وما على محكمة العدل الدولية إلا أن تتخذ القرار المناسب، بمعزل عن الضغوط الأمريكية والغربية والصهيونية.

وكل الشكر لشعب جنوب إفريقيا وحكومتها على هذا الموقف النبيل.

العدد 1104 - 24/4/2024