صامدون

د. أحمد ديركي:

ما زالت فلسطين بوصلة النضال والتحرر من المستعمر في القرن الحالي، كما كانت في القرن السابق. فلا يمكن التحدث عن التحرر والتحرير من دون أخذ القضية الفلسطينة كنموذج لهذه الصيرورة منذ بدايات الاستعمار في المنطقة وتقسيم الإمبراطورية العثمانية ولغاية الآن.

فالتاريخ الحديث، وما شهدته الأمم من تطور في المفاهيم التحررية والإنسانية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها و… وألف ألف مفهوم مماثل جميعها عبر صيرورتها التشكلية تنطبق على فلسطين ومجريات الأحداث فيها.

حتى الأنظمة العربية، منذ تشكلها ولغاية اليوم، مهما حاولت التملص من فلسطين تبقى قابعة في قلب شعوبها لأن فلسطين تشكل جزءاً لا يتجزأ من الضمير الشعبي العربي، لا أنظمته. كما تشكل فلسطين جزءاً لا يتجزأ من ضمير شعوب العالم. شعوب ما زالت تناضل وتطمح لتغيير ما هو قائم ومفروض عليها.

وما زال الكيان الصهيوني، رغم كل دعم أنظمة العالم السياسية، إلا قلة منهم، يمثل المستعمر العنصري الطامح لتأسيس مفهوم العنصرية القائم على التفوق الفارغ المضمون، ولكن المدعوم. كيان مصطنع له وظيفته في المنطقة، ويقوم بمهامه على أكمل وجه. القيام بمهامه لم يتأتَّ من فراغ، بل له مقوماته الإقليمية والعالمية، مقومات أصبحت معروفة للقاصي والداني وليس من حاجة إلى تكرارها.

لكن الأمر غير المنطقي في هذه المسألة هو هذا التعامي عن كل الأفعال الوحشية لهذا الكيان، حتى ممّن يدّعي أنه (حامي) هذه القيم (الإنسانية).

نعم، لقد نجحت جنوب إفريقيا في دعواها ضد الكيان الصهيوني، وتمكنت من إثبات إدانته بالإبادة الجماعية عالمياً، لأن القرار صادر عن أعلى هيئة أممية قضائية. وتفتخر دولة جنوب إفريقيا بفوزها العالمي على الكيان الصهيوني، وأنظمة العالم العربي تفتخر بعدم المبالاة!

والأمر الأنكى من هذا ما قاله أحد الصهاينة في لقاء مع الاتحاد الأوربي منذ أيام قليلة. فالحل الذي يقترحه الكيان الصهيوني للقضية الفلسطينية، ومسألة غزة، هو إقامة جزيرة اصطناعية في وسط بحر محايد دولياً، ينقل إليها الشعب الفلسطيني ويسكن عليها. حلّ سحري جميل لإنهاء فلسطين وإلغائها كلياً من التاريخ والفكر.

هل كان له أن يطرح حلّاً كهذا لو لم يكن متأكداً من أن العالم، ما عدا حفنة قليلة من دوله، يدعمه في حله هذا؟ أو على الأقل لن يتهمه (بالعنصرية)، أو (التهجير القسري)؟ طرح علني وأمام أعضاء البرلمان الأوربي! مجدداً ليس من المستغرب من أي عنصري أن يطرح هذا الحل. لكن المستغرب من كل من يدعي أنه حامٍ للقضية الفلسطينة، ويملك القدرة على الفعل السياسي، أنه لم يقل شيئاً ولم يعلق على القول العنصري! فلم نسمع أي زعيم عربي، أو حتى من هم دون رتبة زعيم، أن يقولوا رأيهم بكيفية الحل الفعلي للقضية الفلسطينية. فالكيان الصهيوني طرح رأيه وبلا أي مواربة: لنُقِم للفلسطينيين جزيرة اصطناعية في بحر ليقيموا عليها. هذا طرحهم. فما الطرح الرسمي للأنظمة العربية، في ظل كل المجريات الراهنة، في فلسطين؟ وفقاً لما يُسمع، ليس هناك سوى شعارات فارغة المضمون بلا حلول عملانية فعلية قابلة للتطبيق حول القضية الفلسطينية. ما السبب لعدم امتلاك رؤية سياسية من قبل الأنظمة العربية لحل القضية الفلسطينية؟

بغض النظر عن امتلاك رؤية أو عدم امتلاكها وما الأسباب وراء تغييب، لا غياب، الرؤية السياسية؟ فما زال الشعب الفلسطيني صامداً في وجه هذا الكيان العنصري المتوحش. وهو صمود يتحول إلى ملحمة بطولية لن يستطيع أحد القفز فوقها.

العدد 1104 - 24/4/2024