(النور) تقدم: (انهض!)

أيمن أبو الشعر يوجّه نداءه إلى كلّ شعوب الأرض

  • عمل فني نوعي جداً يفضح الإمبريالية، ويرسم طريق الخلاص واضحاً عبر المقاومة، وعدم الخنوع، وتضافر النضالات لسحق رأس الأفعى.

 

القصيدة بحدّ ذاتها طويلة متنوعة الأطروحات التي تتضافر في اتجاه واحد، وهو رفض الظلم والتمرد على سياسة الهيمنة الأمريكية ومقاومتها، ومن هنا فإن الشاعر لا يتحدث فقط عن المظالم والبؤس الذي يعيشه المضطَهدون في أصقاع الأرض، ومن مختلف الشعوب، بل ويرسم لهم الحل من خلال هذا النداء الهائل الذي جسدته أغنية (انهض)، وهي في الواقع أبيات أو مقاطع صغيرة اختارها الشاعر من القصيدة الأم المنشورة في مجموعته الأخيرة (تغريبة أهل الشام) التي صدرت في دمشق عن دار جهات، في العام الفائت.

تتألف الأغنية من ثلاثة مقاطع، يتناول المقطع الأول توصيف الواقع بأن سمة هذا الزمن هي التأكيد على رفض الهيمنة الإمبريالية، عندما تتضافر نضالات الشعوب وتتحول إلى حركة وفعل وقوة بالاتجاه الصحيح، كانقضاض النسر لتغيير الواقع الذي يبدو كبحر هائج، بحر يزداد هيجاناً بتساقط الشهب التي ترمز للشهداء الذين يزيدون من هياج بحر هذا الواقع، إنهم الفاعلون المؤثرون حتى بموتهم، ضجيج عملية التغيير لا يهدأ بل يزداد هديرها، وهنا يقارب النداء مداه، حيث يبدو محدّداً لكل مضطهد، لكي يصرخ في وجه الظلم، وأن يصبح هو نبض هذا التحرك الثوري، وألا يسمح مع رفاقه بأن يسيطر المليار الذهبي على العالم، وهي فكرة جهنمية ظهرت في الآونة الأخيرة تقول إن موارد البشرية تكفي لمليار واحد من البشر كي يعيشوا برخاء، ولا بد من إبادة المليارات السبع الأخرى,

في المقطع الثاني تظهر القصيدة – الأغنية حركية تمثيلية فائقة،  فيركز الشاعر على عملية النهوض التي تبدأ من العزيمة الجسدية بثني الركبة كي ينهض المناضل نحو نوع جديد من النضال، بحيث لا ينخدع فيه كما كان سابقاً، مشبّهاً ذلك بأن هذا المناضل الذي يرمز للشعب المقهور كان يقاتل بسيف أزال الخصوم المقبض منه، وبالتالي كانت دماؤه هي التي تنزف، وهو الذي يعاني حتى إبّان نضاله، وكأنه يسوع الفادي، ويطالبه بأن ينزع أكليل الشوك، وأن يرفض العذابات المجانية رغم قداستها لكونها فداء للآخرين، ويطالبه بأن يتحلى بالوعي لكي يكون هذا الفداء مجدياً، وذلك عبر صورة رمزية رائعة، وهي أن يخلع قميصه للشمس لكي يؤمن بأن الغد القادم أفضل، واستناداً إلى صورة اليسوع وآلامه يتابع المشهد بأن هذا الوضع المتريث يجعل يسوع الرب حزيناً، لماذا؟ إنه ينتظر ولادة المستقبل عبر الانتصار، ولهذا هو حزين ولن يبتسم إلا حين يتأكد، ويعلن أن هذا القادم هو الذي سيتكرس.

وفي المقطع الثالث والأخير من هذه الأغنية النوعية جداً يتوجه الشاعر مباشرة إلى رأس الأفعى عدوة الشعوب، (أمريكا) فيصوّرها كجزّار في مسلخ تذبح فيه الشعوب علناً ودون خجل ودون وازع، وإمعاناً في تصوير شكلها المريع تأتي عبارة بلا مئزر، أي أن يديها وثيابها ملطخة بدماء الشعوب، لكنه يحذر هذا الجزار بأن نهايته محسومة، مذكّراً إياه بأن الشعوب لا تموت، بل القياصرة هم الذين يموتون، أو يقتلون على أيدي من اضطهدوهم، ويوجه نداءه الأخير إلى هذا المقدام الذي يمثل في الواقع الجماهير الرافضة للذل، بأن يرفع راية الانتصار (راية العشاق) وأنه حين يقضي على سدنة البيت الأبيض سيزيل رايتهم، ويؤكد له أن شعوب الأرض فوّضته بأن يغرس تلك الراية فوق مقر البيت الأبيض إيذاناً بفجر البشرية وحلول شمس لا تغيب.

عمل مذهل حقاً، ولا بد من القول إن نصاً شعرياً من هذا النوع يحتاج إلى فريق عمل فني نوعي أيضاً، وقد قيّض للشاعر أيمن الفنان الملحن معن دوّاره، الذي استوعب إلى حد كبير توجهات القصيدة ونبرتها، فأعطاها لحناً مناسباً يكاد يلامس أعماقنا بإيقاعاته المميّزة، وقيّض له أيضاً المطربة الفنانة لانا هابراسو، التي أدّت هذه الأغنية بكل وجدانها وروحها وبصدق في تعابير الوجه واليدين، إلى درجت أنها تقمّصت الشاعر، وباتت تؤدي بروحه بشكل رائع حقاً، فضلاً عن الكورال المبدع كفاح سليمان ومحمد الأحمد، والكادر التقني سواء في التصوير كلارا هابراسو، أو في خبرة استوديو هشام بندقجي الفني، وأنامل المونتير – المخرج المبدع طلال أبو الشعر.

للحقيقة، هذا عمل من أروع أعمال الشاعر أيمن أبو الشعر وفريقه الفني. تحية للقابضين على الجمر بصبر وإصرار في الزمن الجاحد، والمتابعين بحسم خطاهم في دروب النضال.

إليكم نص الأغنية كتابةً، ثم رابط الفيديو الفني للكليب:

 

انهضْ

هذا زمنُ الحضِّ على الرفضْ

حلمٌ كالنسرِ رؤىً ينقَضْ

كجنونِ البحرِ المُضطَرِبِ

يهتاجُ بأمطارِ الشُهُبِ

تزدادُ هديراً لا تنفَضْ

فاصرخْ وانهضْ كُنْ أنتَ النَبْضْ

وارفُضْ أنْ تَفنى كي يَبقى المليارُ الذهبيُّ الأبغَضْ

انهضْ

 

اثنِ الركبةَ وانهَضْ

أنتَ المقهورُ وكم قاتلتَ بسيفٍ قد نَزَعوا مِنه المِقبَضْ

فانهضْ

وانزعْ إكليلَ الشوكِ عذابُكَ يكفي ألفَ نبيْ

واخلعْ لشعاعِ الشمسِ قميصَكَ دونَ أنينٍ أنتَ أبيْ

وتجلَّدْ إنَّ اللهَ اليومَ حزينْ

هوَ لنْ يتبسَّمَ حتى يُعلِنَ أنَّ الطفلَ القادمَ لنْ يُجهَضْ

انهضْ

 

يا جزارُ بلا مِئزرْ

ما ماتَ الشعبُ سَلِ التاريخَ فَمَنْ قد ماتَ هوَ القَيصَرْ

فاثنِ الركبةَ وانهَضْ

وارفعْ علمَ العُشّاقِ خفوقاً أنتَ مُفوَّضْ

باسمِ العدلِ الأُمَميِ

باسمِ شعوبِ الأرضِ مُفوَّضْ

أنْ تَغْرُسَهُ كالفرحةِ فوقَ مَقرِّ البيتِ الأبيضْ

انهَضْ.. انهَضْ.. انهَضْ!

 

العدد 1104 - 24/4/2024