البحر الأحمر.. نحو ساحة مواجهة جديدة

د. صياح فرحان عزام:

إضافة إلى حرب الإبادة التي تشنّها سلطات الاحتلال الصهيوني على غزة، دخلت المنطقة العربية مرحلة جديدة من التصعيد تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، الأمر الذي ينذر بتوسيع نطاق الحرب، وذلك بعد قيام واشنطن ولندن بتوجيه ضربات عسكرية بالطائرات والصواريخ على مواقع يمنية في عدة مناطق، منها صنعاء وصعدة والحديدة، شملت مطارات وقواعد عسكرية وأحياء مدنية، بذريعة استهداف اليمنيين سفناً إسرائيلية أو سفناً أخرى قادمة إلى الكيان الإسرائيلي في البحر الأحمر، والادعاء بحماية الملاحة الدولية.

إذاً، لم تكتفِ واشنطن وحلفاؤها الغربيون بدعم الحرب العدوانية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية المحتلة، فارتكبوا عدوانهم الجديد على اليمن بتاريخ 12/1/2024 و13/1/2024، وفوق ذلك أشارت البيانات الصادرة عن واشنطن ولندن إلى أن الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية قد لا تكون الأخيرة، الأمر الذي يؤكد احتمال توجيه المزيد من الضربات العدوانية الجوية والصاروخية بذريعة حماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، فيما رد اليمن على ذلك بأن هذه الهجمات العدوانية لا مبرّر لها، لأن الاستهداف الذي تقوم به القوات المسلحة اليمنية كان وسيبقى يطول السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى (إسرائيل)، وأكد المسؤولون اليمنيون أن هذا العدوان الأمريكي – البريطاني لن يثنيهم عن أداء واجبهم الوطني والقومي في دعم الشعب الفلسطيني في غزة.

إن هذه المواقف تؤشر بوضوح إلى أن الولايات المتحدة عازمة على تحويل منطقة البحر الأحمر إلى ساحة مواجهة جديدة واعتداءات على دولها، بما يحمله ذلك من مخاطر على أمن دول المنطقة واستقرارها، وعلى سلامة الملاحة في هذا الممر المائي الاستراتيجي الذي يلعب دوراً محورياً في التجارة العالمية من حيث الحجم، إذ يمر في هذا الممر 20% من إجمالي شحن الحاويات، ونحو 10% من النفط المنقول بحراً و80% من الغاز المسال.

وفي حال تعطل الملاحة في البحر الأحمر، فإن ذلك سيؤثر في سلاسل الإمداد، وسيوجّه التجارة إلى رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي يزيد كلفة النقل والتأمين، ولا شك بأن الخطر على الملاحة في هذا الممر الحيوي يتسع ويتفاقم مع دخول الولايات المتحدة وبريطانيا على خط العدوان على اليمن بشكل مباشر، إضافة إلى احتمالات لا يمكن التنبؤ بها وبانعكاساتها على دول المنطقة خاصة ودول العالم بشكل عام.

والجدير بالذكر أن روسيا دعت إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث تداعيات الضربات الأمريكية البريطانية إثر قرار مجلس الأمن بإدانة ما أسماه هجمات الجيش اليمني على سفن في البحر الأحمر والمطالبة بوقفها، ذلك القرار الذي صوتت إلى جانبه إحدى عشرة دولة، وامتناع أربع دول عن التصويت هي روسيا والصين والجزائر وموزامبيق.. وبالرغم من أن روسيا لم تستخدم حق النقض (الفيتو) على مشروع القرار المذكور، إلا أن المندوب الروسي حذر من محاولة إضفاء الشرعية على الإجراءات الحالية لما يسمى التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة وحلفاؤها وتحقيق مباركة مفتوحة لها في مجلس الأمن.

وهكذا يمكن القول إن الوضع في منطقة البحر الأحمر خطير للغاية، لأنه إذا ما استمر وانفجر أكثر، فسيؤثر بشكل كبير على أمن منطقة البحر الأحمر واستقرارها، وسيأخذها إلى مسارات مجهولة.

بقي أن نشير إلى أن التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة الأمريكية تحت اسم (حارس الازدهار)، هو تحالف عدواني كاذب، بل في حقيقته هو تحالف (العدوان والتدمير)، ولا علاقة له بأي ازدهار، وهذه عادة واشنطن أن تلجأ بين حين وآخر إلى تشكيل مثل هذه التحالفات لتشرك غيرها من الدول المنضوية تحت راية سياستها بشرورها وعدوانيتها، إلا أن شعب اليمن لم ولن تخيفه مثل هذه التحالفات، وسيواصل أداء رسالته في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني.

العدد 1104 - 24/4/2024