محاولة فهم

أحمد ديركي:

يمر العالم العربي حالياً بأزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية. فعند النظر إلى أي دولة عربية نجد أنها تملك من عناصر التوتر ما يكفي لحدوث انفجار قد يؤدي إلى زوالها عن الخريطة الجغرافية، ودول الخليج ضمناً.

لكن بالنظر إلى ما قبل الوقت الراهن، نجد أيضاً أن التوتر كان قائماً في كل الدول العربية داخلياً وخارجياً. نعم، هناك كيان صهيوني يحتل فلسطين ويرتكب أبشع جرائم الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني وأرض فلسطين. كيان يسبب الحروب والانقسامات ضمن دول العالم العربي، ما بين مؤيد وداعم له، ومعارض له. ويبدو حالياً ما من معارض له، وإن عارض أتت معارضته لفظية خجولة. وما مسألة اليمن حالياً، وتحديداً ما يسمى الحوثيين إلا تعبيراً يمكن تسميته مزيداً من الانقسامات وتفتيت ما هو مفتت، وتفجير ما هو قابل للانفجار.

منذ احتلال فلسطين بدعم شبه عالٍ، وتحديداً بدعم من دول الإمبريالية العالمية، ظل العالم العربي، وأنظمته السياسية المتتالية منقسمة على ذاتها، قبل أن تنقسم بين مؤيد ومعارض له. انقسام أدى إلى تفتت الشعب العربي، وهناك من يودّ استخدام مصطلح الشعوب العربية، داخلياً قبل أن تتشتت خارجياً.

وها نحن اليوم، بعد أعوام طويلة من نشوء الدول العربية، واحتلال فلسطين من قبل الكيان الصهيوني، وما زالت الدول العربية تعاني من التوتر وقابلية الانفجار. إن كان السبب الوحيد لانفجار الدول العربية داخلياً هو وجود هذا المحتل على أرض فلسطين، فها هي ذي بعض الأنظمة العربية اليوم، والأصح معظمها، أقام معاهدات سلام معه، ومن لم يُقِم علناً فهو على الطريق ضمناً.

كل هذا ولم يتحقق الاستقرار في العالم العربي! أمر يؤدي بنا إلى محاولة النظر إلى الداخل. بمعنى آخر إلى طبيعة الأنظمة السياسية لهذه الدول العربية، إن كانت هي من مسببات الانفجار الداخلي. لأن مسببات الانفجار الداخلي تمنع مواجهة هذا المحتل لأرض فلسطين.

هنا ندخل إلى طبيعة العلاقة السياسية بين الأنظمة العربية وشعوبها. هل هي طبيعة سوية تؤدي إلى الاستقرار؟ أم طبيعة غير سوية تؤدي إلى الانفجار، مهما كان الشكل الخارجي مستقراً؟ قد تكون نقطة البداية للغوص في هذه المسألة هي الإجابة عن: هل نقول الشعوب العربية أم الشعب العربي؟ إضافة إلى تعليل الإجابة بشكل موضوعي عند اختيار أحد التعبيرين، لأن كل تعبير يحمل مواقف سياسية واضحة المعالم، مخفية المضمون.

لست هنا لاعطاء إجابة بل محاولة فهم، أيهما أصح لأفهم من خلال الإجابة لماذا ما زال هذا الكيان الصهيوني محتلاً لأرض فلسطين. وفي الوقت عينه لأفهم مجريات أحداث اليوم، وما يجري من إبادة علنية للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. ولماذا يحدث ما يحدث؟ وفي الختام شعب يُذبح وقضية تباد وهناك دعوات سارة لخبر سار للمقامرين: سوف يُفتتح أول كازينو في الإمارات العربية المتحدة ليكون أول كازينو في دول التعاون الخليجي، الاسم الرسمي لها (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) وغداً، أي عند الافتتاح سوف نرى الوجوه البارزة في العالم العربي يوم الافتتاح تلعب وتلهو وتقامر ليكونوا أول المفتتحين له وأيديهم ملطخة بدماء الشعب الفلسطيني، ولتكن المقامرة الأولى على القضية الفلسطينية.

لنُعِد السؤال مجدداً أي هل نقول الشعوب العربية أو الشعب العربي؟ ثم هناك الجامعة العربية التي تضم كل الدول العربية، فهل هي تضم دولاً تمثل الشعوب العربية أم دولاً تمثل الشعب العربي؟ وهنا أيضاً هل فلسطين (عربية) وتضم شعباً عربياً خاصاً بها؟ أم أن شعبها جزء من الشعب العربي؟ بصيغة اخرى إن كانت كل دولة عربية تضم شعبها العربي الخاص بها، فالقضية هنا تختلف في المقاربة عما إن كانت الدول العربية تضم شعباً عربياً واحداً؟

 

العدد 1104 - 24/4/2024