لقمة ممزوجة بالدم

وعد حسون نصر:

نعم، وللأسف، لقمتنا اليوم باتت ممزوجة بالدم وبالألم، فالوجوه تغزوها الهموم، أطفال تملأ أسواق العمل، ونسبة المتسولين فاقت أعداد المارة في الطرقات ومعظمهم من كبار السن.\!

كل هذا في بلادي التي تحوّل فيها الإنسان لآلة تعمل من أجل سدّ رمق البقاء، من أجل لقمة العيش وبعض الحاجات الضرورية. أطفال هذه البلاد بدل أن تحتضنهم مقاعد الدراسة ليكتبوا عليها دروسهم ويرسموا على جدران مدارسهم أحلامهم التي تُسطّر وتُؤطّر مستقبلهم في أمنيات منها أن يكون أحدهم طبيب المستقبل، أو محامياً أو مهندساً أو طيارلً. أولئك الأطفال باتوا اليوم في الطرقات باعة لعلب التبغ والبسكويت والخبز والخضار، أو جامعي قمامة أو في ورش الخياطة صبية بين العمال أو في المطاعم والمحال التجارية لتوصيل الطلبات. كذلك المُسنّون الذين بدل أن يحتضنهم منزل مليء بالدفء، يأخذون الدواء بشكل منتظم ويتناولون وجبات طعامهم بمحبة ويستمتعون بمشاهدة التلفاز والاستماع للمذياع ويتحدثون مع أحفادهم أحاديث السمر، بتنا اليوم نراهم وبنسبة كبيرة يفترشون الطرقات يسألون المارة بعض النقود من أجل شراء الدواء والطعام!

أين الشباب في هذا البلد؟ إن لم يهاجر من بقي منهم، بات حلمه في السفر يتأجج لحظة بعد أخرى حتى أضحى يبحث عن طريق للخلاص من واقع اغتال آماله، تراه ضائعاً في قراراته مُتخبّطاً فيما يقوم به من عمل، لا يعلم هل يستمر في تحصيله العلمي أو في العمل أو ينتظر فرصة سفر تنقذ ما بقي من سنوات شباب عاجز مُدَمَّر في بلاد بات عدم التناسب فيها واضحاً بين الدخل وسعر السلع والراتب، هذا الراتب الذي لا يعادل ثمن كليو سكر وكيلو سمن وكيلو رز، إضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود وعدم وجودها إلاّ في السوق السوداء، كذلك الكهرباء التي باتت شبه معدومة وزاد الأمر سوءاً مع ارتفاع سعر التعرفة، الماء الغائب عن الصنابير حتى أصبحنا نشتريه من الصهاريج حسب مزاج صاحب الصهريج، فكيف تختفي هذه المواد وخاصة الوقود بكل أنواعه في مخازن الدولة بينما تنتشر بشكل مذهل في السوق السوداء؟ أليس هذا قمة التناقض! كذلك آجار المنازل السكنية الذي بات يُسعّر بسعر الصرف وهذا ما ينطبق أيضاً على المحال التجارية، فكيف للموظف الذي لا يملك منزلاً أن يستطيع تأمين إيجار منزله ولقمة عيشه ووقوده براتب لا يشتري عشرة لترات من المازوت الحر، وكيف لتاجر أن يؤمّن إيجار محلّه إذا كانت القوة الشرائية ضعيفة بسبب شح المادة بيد المواطنين وعدم استطاعتهم الحصول على المواد الأساسية ليتمكّنوا من شراء أحذية وملابس وعطورات وما شابه!

تناقضات كبيرة في هذا البلد، ومسؤولون يصمون آذانهم عن مطالبنا، بل يصدرون قرارات تعجيزية يوماً بعد يوم، فترى الجميع راحلاً يبحث عن طريق نجاة في بلد آخر، وما زلنا نوهم أنفسنا أن القادم أفضل.

نعم، القادم أفضل عندما نرى الأطفال على مقاعد دراستهم وليس في الطرقات باعة أو متسولين أو نبّاشين في حاويات القمامة. عندما نرى المُسنين على أَسِرّتهم ينعمون بحياة كريمة ودفء يُنعش أجسادهم المُتعبة. عندما نرى الشباب في جامعاتهم، في عملهم وفق اختصاصهم وفي حيويتهم وعطائهم. لتبني وطناً اصنع إنساناً، لكن للأسف في بلادي دُمِّرَ الوطن وسقطت الإنسانية مع تدمير الإنسان.

العدد 1104 - 24/4/2024