هل هنالك من ضرورة للتغيير في الحزب الشيوعي السوري الموحد؟

د. فؤاد الضاهر:

سنون طويلة مرت على تأسيس الحزب، لكنه لم يزل حاضراً في الحياة السياسية السورية، ومهما كان الموقف من الحزب وسياساته، فإن تجربته الغنية جديرة بالتقدير والاحترام.

الظروف الصعبة تحاصره غير أنها لم تقتله، والانقسامات كسرت ظهره غير أنها لم تستطع اقتلاعه، فجذور السنديانة الحمراء لم تزل تجد في أرضنا الطيّبة وناسها البيئة الصالحة، والمبرر الموضوعي للاستمرار والحياة، هذا إذا وُجِدت النية والإرادة الصادقة في أن تكون القرارات والتوصيات والتوجهات التي ستنتج عن المؤتمر القادم للحزب الشيوعي السوري الموحد انطلاقة جديدة. فهناك أسئلة كثيرة وحقائق ومواقف على المؤتمر أن يعالجها، هذا إن كنا جادين في التوجه لنصبح حزباً مؤثراً فعلاً في حياة البلاد، فليس أسهل من إغماض العين وعدم رؤية الحقيقة والنوم على فكرة أن كل شيء على ما يرام، بل علينا فتح العيون وتشغيل العقول وغسل الوجوه ودون ذلك سيبقى السائد سائداً، ولن يمهد لما هو جديد، وبذلك سنخسر كثيراً على جبهة الزمن، وسيعاقبنا التاريخ، وتعاقبنا الحياة وتبقينا على هامشها.

هناك سؤال جوهري يطرح نفسه ويراود الكثيرين من أعضائه: هل هنالك من ضرورة للتغيير في الحزب الشيوعي السوري الموحد، خاصة في هذه الظروف والتحديات التي تغيرت وظهور اجيال لا تعرف عن الحزب الا النزر القليل، وإذا كانت كل هذه الظروف بصعوباتها وتداعياتها المؤثرة، فهل يحتم ذلك ضرورة التغيير في مثل هذا الحزب بتاريخيته، وإذا كان ذلك ضروريأ ومطلوباً، فبأي صيغة وأية شروط وأية مواصفات وأي تكوين؟ من المؤكد أن الإجابة عن هذه الأسئلة ليست يسيرة، ولكن مجرد طرحها والإسهام في أجوبتها فإنه بلا شك سيساهم في الدفع نحو حوار جاد وصولاً إلى الجواب المأمول وصياغة الحلول الواقعية الممكنة التحقيق. فأين يفترض ان يحصل هذا التغيير؟ وما هي سعته أو شموليته؟ وهل يشمل التغيير المطلوب الشعارات والبرامج والأساليب والأدوات وطرق العمل والخطاب السياسي والتحالفات أم يقتصر على جوانب شكلية لا غير؟

يبدو لي أن التغيير يفترض أن يشمل كل ذلك عبر مراجعة فاحصة وصارمة، وهذا ليس انقلاباً بل هو سعي حثيث يرتكز على ما هو إيجابي ونيّر في تجارب وتضحيات الأجيال السابقة وحراك في اتجاه ملاقاة الحاضر والمستقبل.

من هذا المنطلق على المؤتمر مناقشة كل ما له علاقة بالواقع وظروف وجوده، والقيام بتحليل معمق للوضع الراهن وتحولاته للانتقال إلى حزب مجدد، يستوعب قوانين العلم والحياة، ويفهم التغيرات ويتعامل معها بأكثر من رؤية وخطاب وعمل، ويملك الإجابة على أسئلة الحاضر، والإجابة على سؤال (من نحن وماذا نريد؟) هي التي ستمكننا من إعادة بناء حزبنا، لذلك نحن مدعوون للمساهمة في الحوار والبحث والنقاش وبلورة فهم مشترك حول كيفية العمل، فالحزب ليس ملكاً لفئة دون أخرى، ولا لحزبي دون آخر، ولا لهيئة ولا لهذا المسؤول الحزبي أو ذاك ,أن هذا الحزب وجد ليكون لجميع الشيوعيين وجد ليكون وعاءً يستوعب الجميع ويترتب على هذا الجميع أن يعمل بهدف إرساء أسس القواسم المشتركة التي تجمعنا والاستناد عليها والأخذ بها والعمل من خلالها من أجل الحزب وما يتطلبه الحزب فهو يحتاجنا جميعاً، كما يحتاج جهدنا وحواراتنا ومساهماتنا ونقدنا الهادف وإيماننا بأن الحزب قادر على الاستمرار ليكون الحزب فاعلاً وقادراً ومؤمناً بمصيرية التغيير والحداثة، ويمتلك القدرة على المساهمة في بناء الوطن متبنياً برامج وسياسات تساعد على تحقيق متطلبات أساسية للإنسان يجب العمل من أجل تحقيقها، وهي أن يعيش الأنسان بكرامة وعزة في وطن حر كريم.. ويتكلم بحرية ودون خوف، ويختار من يمثله بحرية ويعيش ديمقراطية حقيقية، ويكون قادراً على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب دون تلكؤ أو عرقلة، ويتعاطى مع التحديات المتغيرة بأسلوب متغير، دون جمود على الأساليب السابقة والحالية، ويكون له كيان معنوي وشخصية اعتبارية متميزة بحيث لا يتوقف في وجوده ولا في فاعليته على غيره من القوى، ولا يكون أداة لخدمة أيٍّ منها، بل يكون مُكرَّسا لخدمة الأهداف التي من أجلها أُنشئ، فذلك هو المدخل الوحيد إلى نمو الحزب نمواً طبيعيا دون طفرات مباغتة غير محسوبة، ويحميه من الجمود والبقاء على هامش المجتمع وخاصة أن حزبنا كباقي الاحزاب السياسية السورية الحالية بحاجة إلى تجديد.

في المشهد السياسي السوري فقد المواطن السوري الثقة في العمل السياسي، لأن الخطاب السياسي للأحزاب بمختلف توجهاتها لم يعد مقنعاً ولم تستطع تجسيد شعاراتها على أرض الواقع حيث يوجد بون شاسع بينها وبين طموحات الجماهير التي هي بحاجة ماسة إلى خطاب سياسي ناضج وصادق وصارم في موقفه إزاء مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ورفض كل شكل من أشكال الهيمنة وفرض الرأي الواحد ويلتزم بقضايا الجماهير قولاً، وعملاً، فلم تعد تجدي شيئاً لهجة البكاء والندب على واقع المجتمع وتوزيع الاتهامات في من هم وراء تدهور الأوضاع دون تبني انتشال المجتمع من واقعه، والبحث عن رؤية وحلول ناجعة وصحيحة تقدمها وتعمل عليها لحل مشاكله وأزماته، فليس أسهل من إغماض العين وعدم رؤية الحقيقة والنوم على فكرة أن كل شيء على ما يرام، فالوضع الذي نعيشه يفرض علينا أسئلة كثيرة، فهل نستطيع الخروج من هذا المأزق؟!

باعتقادي أن الإمكانات متوفرة حتى الآن إلا أن الصعوبات القائمة كبيرة، والجانب الأهم من هذه الصعوبات ذاتي الطابع، وهذا يكمن في مدى رغبتنا واستعدادنا وقدرتنا على إدراك الأوضاع والعمل على تبديلها، فهل سنفعل ذلك؟

الأمل مازال قائما والقضية المطروحة هي أن نكون أو لا نكون، فتعالوا أيها الرفاق نتعاون جميعا لنبدع صحوة تعيد الألق لحزبنا ونؤكد لأنفسنا قبل غيرنا أننا مستمرون في خدمة قضايا الوطن والشعب، وأن بعد الكبوة صحوة، وبذلك نعجب أنفسنا ونعجب غيرنا ونعود مرة أخرى حزبا طليعياً بارزاً.

العدد 1107 - 22/5/2024